للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الكلام على ذلك في سورة الأنبياء وأن قوله: ﴿أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ منصوب على الحال.

وقوله: ﴿فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا﴾ أي: الأمم الذين بعثت إليهم الأنبياء ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ أي: يفرحون بما هم فيه من الضلال؛ لأنهم يحسبون أنهم مهتدون، ولهذا قال متهددًا لهم ومتوعدًا: ﴿فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ﴾ أي: في غيهم وضلالهم ﴿حَتَّى حِينٍ﴾ أي: إلى حين حينهم وهلاكهم، كما قال تعالى: ﴿فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (١٧)[الطارق]، وقال تعالى: ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٣)[الحجر].

وقوله: ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (٥٦)﴾ يعني: أيظن هؤلاء المغرورون أن ما نعطيهم من الأموال والأولاد لكرامتهم علينا ومعزتهم عندنا؟ كلَّا ليس الأمر كما يزعمون في قولهم: ﴿نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ [سبأ: ٣٥] لقد أخطأوا في ذلك وخاب رجاؤهم؛ بل إنما نفعل بهم ذلك استدراجًا وإنظارًا وإملاء، ولهذا قال: ﴿بَلْ لَا يَشْعُرُونَ﴾، كما قال تعالى: ﴿فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (٥٥)[التوبة]. وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا﴾ [آل عمران: ١٧٨]، وقال تعالى: ﴿فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (٤٤) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (٤٥)[القلم] وقال: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (١١) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (١٢) وَبَنِينَ شُهُودًا (١٣) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (١٤) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (١٦)[المدثر]، وقال تعالى: ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (٣٧)[سبأ] والآيات في هذا كثيرة.

قال قتادة في قوله: ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (٥٦)﴾ قال: مُكِرَ والله بالقوم في أموالهم وأولادهم، يا ابن آدم فلا تعتبر الناس بأموالهم وأولادهم، ولكن اعتبرهم بالإيمان والعمل الصالح (١).

وقال الإمام أحمد: حَدَّثَنَا محمد بن عبيد، حَدَّثَنَا أبان بن إسحاق، عن الصباح بن محمد، عن مُرَّة الهمداني، حَدَّثَنَا عبد اللَّه بن مسعود قال: قال رسول اللَّه : "إن اللَّه قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن اللَّه يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا لمن أحب، فمن أعطاه اللَّه الدين فقد أحبه، والذي نفس محمد بيده لا يسلم عبد حتَّى يسلم قلبه ولسانه؛ ولا يؤمن حتَّى يأمن جاره بوائقه"، قالوا: وما بوائقه يا رسول اللَّه؟ قال: "غشمه وظلمه، ولا يكسب عبد مالًا من حرام فينفق منه فيبارك له فيه، ولا يتصدق به فيقبل منه، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار، إن اللَّه لا يمحو السيء بالسيء، ولكن يمحو السيء بالحسن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث" (٢).


(١) عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٢) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه، وضعف سنده محققوه لضعف الصباح بن محمد (المسند ٦/ ١٨٩ ح ٣٦٧٢).