للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إذا حدثني صدقني وإذا ائتمنته أدّى إلي، فقال نبي الله : "كذاكم [أنتم] (١) عند ربكم" (٢).

وقوله: ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ﴾ قال مجاهد وأبو صالح والسدي: الحق هو: الله ﷿ (٣)، والمراد: لو أجابهم اللَّه إلى ما في أنفسهم من الهوى، وشرع الأمور على وفق ذلك ﴿لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ﴾؛ أي لفساد أهوائهم واختلافها، كما أخبر عنهم في قولهم: ﴿لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾، ثم قال: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ﴾ [الزخرف: ٣١، ٣٢] وقال تعالى: ﴿قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا (١٠٠)[الإسراء] وقال تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (٥٣)[النساء]، ففي هذا كله تبيين عجز العباد واختلاف آرائهم وأهوائهم، وأنه تعالى هو الكامل في جميع صفاته وأقواله وأفعاله وشرعه وقدره وتدبيره لخلقه، تعالى وتقدس، فلا إله غيره ولا رب سواه، ولهذا قال: ﴿بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ﴾ أي: القرآن ﴿فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ﴾.

وقوله: ﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا﴾ قال الحسن: أجرًا (٤).

وقال قتادة: جعلًا (٥) ﴿فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ﴾ أي: أنت لا تسألهم أجرة ولا جعلًا ولا شيئًا على دعوتك إياهم إلى الهدى؛ بل أنت في ذلك تحتسب عند اللَّه جزيل ثوابه، كما قال: ﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ﴾ [سبأ: ٤٧]، وقال: ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (٨٦)[ص] وقال: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣] وقال: ﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢١)[يس: ٢٠، ٢١].

وقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٣) وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (٧٤)﴾ قال الإمام أحمد: حَدَّثَنَا حسن بن موسى، حَدَّثَنَا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس: أن رسول اللَّه أتاه فيما يرى النائم ملكان، فقعد أحدهما عند رجليه، والآخر عند رأسه، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه: اضرب مثل هذا ومثل أمته، فقال: إن مثل هذا ومثل أمته كمثل قوم سفر انتهوا إلى رأس مفازة، فلم يكن معهم من الزاد ما يقطعون به المفازة ولا ما يرجعون به، فبينما هم كذلك إذ أتاهم رجل في حِلّة حَبِرة (٦)، فقال: أرأيتم إن أوردتكم رياضًا معشبة وحياضًا رِواء (٧) تتبعوني؟ فقالوا: نعم، قال: فانطلق بهم وأوردهم، رياضًا معشبة وحياضًا رِواء، فأكلوا وشربوا وسمنوا، فقال لهم: ألم


(١) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل: "سقط".
(٢) عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم، وسنده ضعيف؛ لأن قتادة أرسله وهو لم يسمع إلا من أنس بن مالك .
(٣) قول أبي صالح أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق إسماعيل ابن أبي خالد، وقول السدي أخرجه الطبري بسند حسن من طريق شعبة عنه.
(٤) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق معمر عن الحسن.
(٥) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.
(٦) أي: ثوب مخطط.
(٧) أي: كثير الماء أو عذب الماء.