للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فمن خلقني؟ قالت: اللَّه. قال: فمن خلق السموات؟ قالت: اللَّه. قال: فمن خلق الأرض؟ قالت: اللَّه. قال: فمن خلق الجبل؟ قالت: اللَّه. قال: فمن خلق هذه الغنم؟ قالت: اللَّه. قال: فإني أسمع لله شأنًا ثم ألقى نفسه من الجبل فتقطع. قال ابن عمر: كان رسول اللَّه كثيرًا ما يحدثنا هذا الحديث، قال عبد اللَّه بن دينار: كان ابن عمر كثيرًا ما يحدثنا بهذا الحديث (١)، قلت: في إسناده عبد اللَّه بن جعفر المديني، والد الإمام علي بن المديني، وقد تكلموا فيه، فالله أعلم.

﴿قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ أي: بيده الملك ﴿مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا﴾ [هود: ٥٦] أي: متصرف فيها، وكان رسول اللَّه يقول: "لا والذي نفسي بيده" (٢)، وكان إذا اجتهد في اليمين قال: "لا ومقلب القلوب" (٣)، فهو سبحانه الخالق المالك المتصرف ﴿وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ كانت العرب إذا كان السيد فيهم فأجار أحدًا لا يخفر في جواره، وليس لمن دونه أن يجير عليه لئلا يفتات عليه، ولهذا قال اللَّه: ﴿وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ﴾ أي: وهو السيد العظيم الذي لا أعظم منه، الذي له الخلق والأمر ولا معقب لحكمه، الذي لا يمانع ولا يخالف، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وقال اللَّه: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (٢٣)[الأنبياء] أي: لا يسأل عما يفعل لعظمته وكبريائه وغلبته وقهره وحكمته وعدله، فالخلق كلهم يسألون عن أعمالهم، كما قال تعالى: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣)[الحجر].

وقوله: ﴿سَيَقُولُونَ لِلَّهِ﴾ أي: سيعترفون أن السيد العظيم الذي يجير ولا يجار عليه هو اللَّه تعالى وحده لا شريك له ﴿قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾ أي: فكيف تذهب عقولكم في عبادتكم معه غيره مع اعترافكم وعلمكم بذلك، ثم قال تعالى: ﴿بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ﴾ وهو الإعلام بأنه لا إله إلا اللَّه، وأقمنا الأدلة الصحيحة الواضحة القاطعة على ذلك ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ أي: في عبادتهم مع اللَّه غيره ولا دليلٌ لهم على ذلك، كما قال في آخر السورة: ﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (١١٧)﴾ فالمشركون لا يفعلون ذلك عن دليلٌ قادهم إلى ما هم فيه من الإفك والضلال، وإنما يفعلون ذلك اتباعًا لآبائهم وأسلافهم الحيارى الجهال، كما قال اللَّه عنهم: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾ [الزخرف: ٢٣].

﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (٩١) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٩٢)﴾.

ينزه تعالى نفسه عن أن يكون له ولد أو شريك في الملك والتصرف والعبادة، فقال تعالى: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ أي: لو قدر تعدد الآلهة لانفرد كل منهم بما خلق فما كان ينتظم الوجود، والمشاهد أن الوجود منتظم


(١) سنده ضعيف لضعف عبد الله بن جعفر المديني (التقريب ص ٢٩٨).
(٢) تقدم تخريجه في سورة المائدة آية رقم ٧٩.
(٣) أخرجه البخاري من حديث عبد اللَّه بن عمر (الصحيح، القدر، باب يحول بين المرء وقلبه ح ٦٦١٧).