للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (١٢)[غافر]، وقال تعالى: ﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٣٧)[فاطر]، فذكر تعالى أنهم يسألون الرجعة فلا يجابون عند الاحتضار ويوم النشور ووقت العرض على الجبار، وحين يعرضون على النار وهم في غمرات العذاب في الجحيم.

وقوله ههنا: ﴿كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا﴾ ﴿كَلَّا﴾ حرف ردع وزجر؛ أي لا نجيبه إلى ما طلب ولا نقبل منه.

وقوله تعالى: ﴿إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا﴾ قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: أي لابدّ أن يقولها (١)، لا محالة كل محتضر ظالم، ويحتمل أن يكون ذلك علة لقوله: كلّا؛ أي لأنها كلمة؛ أي سؤاله الرجوع ليعمل صالحًا هو كلام منه وقول لا عمل معه، ولو رد لما عمل صالحًا ولكان يكذب في مقالته هذه، كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [الأنعام: ٢٨].

وقال محمد بن كعب القرظي: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ﴾ قال: فيقول الجبار: ﴿كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا﴾ (٢).

وقال عمر بن عبد اللَّه مولى غُفْرة: إذا قال الكافر: ربِّ ارجعون لعلي أعمل صالحًا، يقول اللَّه تعالى: كلا، كذبت.

وقال قتادة في قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ﴾ قال: كان العلاء بن زياد يقول: لينزلن أحدكم نفسه أنه قد حضره الموت فاستقال ربه فأقاله، فليعمل بطاعة الله تعالى. وقال قتادة: والله ما تمنى أنا يرجع إلى الأهل ولا إلى عشرية ولكن تعنى بطاعة اللَّه، فانظروا أمنية الكافر المفرط فاعملوا بها، ولا قوة إلا بالله، وعن محمد بن كعب القرظي نحوه.

وقال [أبو] (٣) محمد بن أبي حاتم: حَدَّثَنَا أبي، حَدَّثَنَا أحمد بن يوسف، حَدَّثَنَا فضيل -يعني: ابن عياض- عن ليث، عن طلحة بن مصرف، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: إذا وضع -يعني: الكافر- في قبره فيرى مقعده من النار، قال: فيقول: ربِّ ارجعون أتوب وأعمل صالحًا، قال: فيقال: قد عَمَّرتَ ما كنت مُعمرًا، قال: فيضيق عليه قبره ويلتئم، فهو كالمنهوش ينام ويفزع، تهوي إليه هوام الأرض وحياتها وعقاربها (٤).

وقال أيضًا: حَدَّثَنَا أبي، حَدَّثَنَا عمرو بن علي، حدثني سلمة بن تمام، حَدَّثَنَا علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن عائشة أنها قالت: ويل لأهل المعاصي من أهل القبور تدخل عليهم في قبورهم حيات سود أو دهم، حية عند رأسه وحية عند رجليه يقرصانه حتَّى يلتقيا في


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب -وهو عبد الله- عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
(٢) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق أبي معشر عن محمد بن كعب ذكر ابن رجب في شرح العلل عن ابن معين أن ما رواه أبو معشر عن محمد بن كعب في التفسير فهو حسنٌ. انظر: شرح العلل ٢/ ٦٥٨، تحقيق نور الدين عتر ويقصد بالحسن: حسن المتن.
(٣) زيادة يقتضيها السياق، فإن هذه الرواية عزاها السيوطي إلى ابن أبي حاتم صاحب التفسير الشهير، وكنيته أبو محمد.
(٤) سنده حسن، وله شواهد صحيحة.