للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وسطه، فذلك العذاب في البرزخ الذي قال اللَّه تعالى: ﴿وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ (١).

وقال أبو صالح وغيره في قوله تعالى: ﴿وَمِنْ وَرَائِهِمْ﴾ يعني: أمامهم.

وقال مجاهد: البرزخ: الحاجز ما بين الدنيا والآخرة (٢).

وقال محمد بن كعب: البرزخ ما بين الدنيا والآخرة، ليسوا مع أهل الدنيا يأكلون ويشربون ولا مع أهل الآخرة يجازون بأعمالهم (٣).

وقال أبو صخر: البرزخ: المقابر لا هم في الدنيا ولا هم في الآخرة، فهم مقيمون إلى يوم يبعثون (٤)، وفي قوله تعالى: ﴿وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ﴾ تهديد لهؤلاء المحتضرين من الظلمة بعذاب البرزخ، كما قال تعالى: ﴿مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ﴾ [الجاثية: ١٠] وقال تعالى: ﴿وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾ [إبراهيم: ١٧].

وقوله تعالى: ﴿إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ أي: يستمر به العذاب إلى يوم البعث، كما جاء في الحديث: "فلا يزال معذبًا فيها" (٥)؛ أي في الأرض.

﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (١٠١) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٢) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (١٠٣) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (١٠٤)﴾.

يخبر تعالى أنه إذا نفخ في الصور نفخة النشور، وقام الناس من القبور ﴿فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ﴾ أي: لا تنفع الأنساب يومئذٍ ولا يرثي والد لولده ولا يلوي عليه، قال اللَّه تعالى: ﴿وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (١٠) يُبَصَّرُونَهُمْ﴾ [المعارج] أي: لا يسأل القريب عن قريبه وهو يبصره ولو كان عليه من الأوزار ما قد أثقل ظهره، وهو كان أعزّ الناس عليه في الدنيا ما التفت إليه ولا حمل عنه وزن جناح بعوضة، قال اللَّه تعالى: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (٣٧)[عبس].

وقال ابن مسعود: إذا كان يوم القيامة جمع اللَّه الأولين والآخرين، ثم نادى منادٍ: ألا مَن كان له مظلمة فليجئ فليأخذ حقَّه، قال: فيفرح المرء أن يكون له الحق على والده أو ولده أو زوجته وإن كان صغيرًا، ومصداق ذلك في كتاب اللَّه، قال اللَّه تعالى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (١٠١)(٦). رواه ابن أبي حاتم.

وقال الإمام أحمد: حَدَّثَنَا أبو سعيد مولى بني هاشم، حَدَّثَنَا عبد اللَّه بن جعفر، حدثتنا أُم بكر


(١) سنده ضعيف لضعف علي بن زيد، وهو ابن جدعان.
(٢) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٣) يشهد له سابقه.
(٤) يشهد له سابقه.
(٥) أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة وحسنه (السنن، الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر ح ١٠٧١)، قال الألباني: وسنده جيد (السلسلة الصحيحة ح ١٣٩١).
(٦) أخرجه المروزي في زوائده على ابن المبارك في الزهد رقم ١٤١٦، والطبري وأبو نعيم (الحلية ٤/ ٢٠١)، كلهم بسند حسن من طريق زاذان عن ابن مسعود.