للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أخبرنا سعيد بن يزيد، عن أبي السمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، عن النَّبِيّ قال: " ﴿وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ﴾ قال: "تشويه النار فتقلص شفته العليا حتَّى تبلغ وسط رأسه، وتسترخي شفته السفلى حتَّى تبلغ سرته" (١)، ورواه الترمذي عن سويد بن نصر، عن عبد اللَّه بن المبارك به، وقال: حسن غريب (٢).

﴿أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (١٠٥) قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (١٠٦) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (١٠٧)﴾.

هذا تقريع من اللَّه وتوبيخ لأهل النار على ما ارتكبوه من الكفر والمآثم والمحارم والعظائم التي أوبقتهم في ذلك، فقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (١٠٥)﴾ أي: قد أرسلت إليكم الرسل، وأنزلت عليكم الكتب، وأزلت شبهكم، ولم يبق لكم حجة، كما قال تعالى: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء: ١٦٥]، وقال تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: ١٥]، وقال تعالى: ﴿كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (٩) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (١٠) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (١١)[الملك]، ولهذا قالوا: ﴿رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ﴾ أي: قد قامت علينا الحجة، ولكن كنا أشقى من أن ننقاد لها ونتبعها، فضللنا عنها ولم نرزقها.

ثم قالوا: ﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (١٠٧)﴾ أي: ردّنا إلى الدنيا، فإن عدنا إلى ما سلف منا فنحن ظالمون مستحقون للعقوبة، كما قال: ﴿فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (١١) ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (١٢)[غافر]؛ أي: لا سبيل إلى الخروج لأنكم كنتم تشركون بالله إذا وحّده المؤمنون.

﴿قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (١٠٨) إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١٠٩) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (١١٠) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (١١١)﴾.

هذا جواب من اللَّه تعالى للكفار إذا سألوا الخروج من النار والرجعة إلى هذه الدار. يقول: ﴿اخْسَئُوا فِيهَا﴾ أي: امكثوا فيها صاغرين مهانين أذلاء، ﴿وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾ أي: لا تعودوا إلى سؤالكم هذا، فإنه لا جواب لكم عندي.

قال العوفي، عن ابن عباس: ﴿اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾ قال: هذا قول الرحمن حين انقطع


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ١٨/ ٣٥٠ ح ١١٨٣٦)، وضعف سنده محققوه، ويتقوى بسابقه، وأخرجه الحاكم من طريق ابن المبارك به، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٣٩٥).
(٢) أخرجه الترمذي بسنده ومتنه وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب (السنن، صفة جهنم، باب ما جاء في طعام أهل النار ح ٢٥٨٧)، وضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي، ويشهد له ما تقدم موقوفًا وثابتًا عن ابن مسعود.