للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فرجاله على شرط مسلم إلا أن النسائي بعد روايته له قال هذا خطأ والصواب مرسل (١)، ورواه غير النضر على الصواب.

وقد رواه النسائي أيضًا وأبو داود، عن الحسين بن حريث، أخبرنا الفضل بن موسى، أخبرنا الحسين بن واقد، عن عمارة بن أبي حفصة، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النَّبِيّ … فذكره (٢)، وهذا الإسناد جيد. وقد اختلف الناس في هذا الحديث ما بين مضعّف له كما تقدم عن النسائي، ومنكر كما قال الإمام أحمد: هو حديث منكر، وقال ابن قتيبة: إنما أراد أنها سخية لا تمنع سائلًا (٣)، وحكاه النسائي في سننه عن بعضهم فقال: وقيل: سخية تعطي، ورد هذا بأن لو كان المراد لقال: لا ترَدّ يد ملتمس، وقيل: المراد أن سجيتها لا تردّ يد لامس لا أن المراد أن هذا واقع منها وأنها تفعل الفاحشة، فإن رسول اللَّه لا يأذن في مصاحبة من هذه صفتها، فإن زوجها والحالة هذه يكون ديوثًا، وقد تقدم الوعيد على ذلك، ولكن لما كانت سجيتها هكذا ليس فيها ممانعة ولا مخالفة لمن أرادها لو خلا بها أحد، أمره رسول اللَّه بفراقها، فلما ذكر أنه يحبها أباح له البقاء معها؛ لأن محبته لها محققة ووقوع الفاحشة منها متوهم، فلا يصار إلى الضرر العاجل لتوهم الآجل، والله أعلم.

قالوا: فأما إذا حصلت توبة فإنه يحل التزويج، كما قال الإمام أبو محمد بن أبي حاتم : حَدَّثَنَا أبو سعيد الأشج، حَدَّثَنَا أبو خالد، عن ابن أبي ذئب قال: سمعت شعبة مولى ابن عباس قال: سمعت ابن عباس وسأله رجل فقال: إني كنت ألمُّ بامرأة آتي منها ما حرم الله ﷿ عليّ، فرزقني الله ﷿ من ذلك توبة، فأردت أن أتزوجها، فقال أناس: إن الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة، فقال ابن عَبَّاسٍ: ليس هذا في هذا، أنكحها فما كان من إثم فعليّ (٤)، وقد ادعى طائفة آخرون من العلماء أن هذه الآية منسوخة.

قال ابن أبي حاتم: حَدَّثَنَا أبو سعيد الأشج، حَدَّثَنَا أبو خالد، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب قال: ذكر عنده ﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ﴾ قال: كان يقال: نسختها التي بعدها ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ﴾ [النور: ٣٢] قال: كان يقال: الأيامى من المسلمين (٥)، وهكذا رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الناسخ والمنسوخ (٦) له عن سعيد بن المسيب، ونصَّ على ذلك أيضًا الإمام أبو عبد اللَّه محمد بن إدريس الشافعي (٧).

﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥)﴾.

هذه الآية الكريمة فيها بيان حكم جلد القاذف للمحصنة، وهي الحرة البالغة العفيفة، فإذا كان


(١) المصدر السابق ٦/ ١٧٠.
(٢) المصدر السابق ٦/ ١٦٩.
(٣) وهذا هو اللّائق بمقام الصحابية .
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده حسن.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده صحيح لكنه مرسل.
(٦) الناسخ والمنسوخ ص ١٠٠ رقم ١٧.
(٧) الأُم للشافعي ٥/ ١٢.