للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال مقاتل في قوله: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾ يقول: لا تسموه إذا دعوتموه: يا محمد، ولا تقولوا: يا ابن عبد الله، ولكن شرفوه فقولوا: يا نبي الله يا رسول الله (١).

وقال مالك: عن زيد بن أسلم في قوله: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾ قال: أمرهم الله أن يشرفوه (٢)، هذا قول، وهو الظاهر من السياق، كقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا﴾ [البقرة: ١٠٤].

وقوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (٢)﴾ إلى قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (٤) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ [الحجرات: ٢ - ٥]، فهذا كله من باب الأدب في مخاطبة النبي والكلام معه وعنده، كما أمروا بتقديم الصدقة قبل مناجاته.

والقول الثاني في ذلك: أن المعنى في ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾ أي: لا تعتقدوا أن دعاءه على غيره كدعاء غيره، فإن دعاءه مستجاب فاحذروا أن يدعو عليكم فتهلكوا، حكاه ابن أبي حاتم عن ابن عباس والحسن البصري وعطية العوفي، والله أعلم (٣).

وقوله: ﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا﴾ قال مقاتل بن حيان: هم المنافقون كان يثقل عليهم الحديث في يوم الجمعة، ويعني بالحديث: الخطبة، فيلوذون ببعض أصحاب محمد حتى يخرجوا من المسجد، وكان لا يصلح للرجل أن يخرج من المسجد إلا بإذن من النبي في يوم الجمعة بعدما يأخذ في الخطبة، وكان إذا أراد أحدهم الخروج أشار بأصبعه إلى النبي فيأذن له من غير أن يتكلم الرجل؛ لأن الرجل منهم كان إذا تكلم والنبي يخطب بطلت جمعته (٤).

وقال السدي: كانوا إذا كانوا معه في جماعة لاذ بعضهم ببعض حتى يتغيّبوا عنه فلا يراهم (٥).

وقال قتادة في قوله: ﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا﴾: [يعني: لواذًا عن نبي الله وعن كتابه (٦). وقال سفيان: ﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا﴾ قال: من الصف (٧)، وقال مجاهد في الآية: ﴿لِوَاذًا﴾] (٨) خلافًا (٩).


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق بكير بن معروف عن مقاتل، وسنده معضل ويتقوى بما سبق.
(٢) سنده صحيح وهو مرسل، ويشهد له ما سبق.
(٣) قول ابن عباس وعطية أخرجه ابن أبي حاتم بسند ضعيف من طريق عطية العوفي به عن ابن عباس، وقول الحسن أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق عاصم عن الحسن البصري.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق بكير بن معروف عن مقاتل لكنه معضل لأن مقاتلًا؛ تابع تابعي.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم بسند جيد من طريق أسباط عن السدي.
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٧) أخرجه ابن أبي حاتم بسند جيد من طريق مهران، وهو ابن أبي عمر العطار.
(٨) زيادة من (ح) و (حم).
(٩) أخرجه البستي والطبري وابن أبي حاتم كلهم من طريق ابن جريج عن مجاهد، وهو لم يسمع من مجاهد، ويتقوى بما سبق.