للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ لمَّا ذكر تعالى ما في هذه السور الكريمة من الأحكام المحكمة والشرائع المتقنة المبرمة، نبّهَ تعالى عباده على أنه يبين لعباده الآيات بيانًا شافيًا؛ ليتدبّروها ويتعقّلوها.

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٢)﴾.

وهذا أيضًا أدب أرشد الله عباده المؤمنين إليه، فكما أمرهم بالاستئذان عند الدخول، كذلك أمرهم بالاستئذان عند الانصراف لا سيما إذا كانوا في أمر جامع مع الرسول صلوات الله وسلامه عليه من صلاة جمعة أو عيد أو جماعة أو اجتماع في مشورة ونحو ذلك، أمرهم الله تعالى أن لا يتفرقوا عنه والحالة هذه إلا بعد استئذانه ومشاورته وإن من يفعل ذلك فإنه من المؤمنين الكاملين، ثم أمر رسوله صلوات الله وسلامه عليه إذا استأذنه أحد منهم في ذلك أن يأذن له إن شاء، ولهذا قال: ﴿فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ. . .﴾ الآية.

وقد قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل ومسدد قالا: حدثنا بشر هو: ابن المفضل، عن ابن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإذا أراد أن يقوم فليسلِّم، فليست الأولى بأحق من الآخرة" (١)، وهكذا رواه الترمذي والنسائي من حديث محمد بن عجلان به. وقال الترمذي: حديث حسن (٢).

﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٦٣)﴾.

قال الضحاك، عن ابن عباس: كانوا يقولون: يا محمد يا أبا القاسم، فنهاهم الله ﷿ عن ذلك إعظامًا لنبيه ، قال: فقولوا: يا نبي الله، يا رسول الله (٣)، وهكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير (٤).

وقال قتادة: أمر الله أن يُهاب نبيه ، وأن يُبجّل وأن يُعظّم وأن يُسوّد (٥).


(١) أخرجه أبو داود بسنده ومتنه (السنن، الأدب، باب في السلام إذا قام من المجلس ح ٥٢٠٨)، وقال الألباني: حسن صحيح (صحيح سنن أبي داود ح ٤٣٤٠)، وحسنه السيوطي (الجامع الصغير مع شرح فيض القدير ١/ ٣٠٥ ح ٤٩٧).
(٢) سنن الترمذي، الاستئذان، باب ما جاء في التسليم عند القيام وعند القعود (ح ٢٧٠٦)، والسنن الكبرى (ح ١٠٢٠١).
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق الضحاك به، وسنده ضعيف؛ لأن الضحاك لم يلق ابن عباس، ويتقوى بالمراسيل التالية.
(٤) قول مجاهد أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول سعيد بن جبير أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق سالم الأفطس عنه، وهذان المرسلان يقوي أحدهما الآخر.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة وهو مرسل ويتقوى بالمراسيل السابقة.