للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الزخرف] وكذلك قال هؤلاء على السواء تشابهت قلوبهم، ولهذا قالوا: ﴿أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ﴾ أي: علم كنز ينفق منه ﴿أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا﴾ أي: تسير معه حيث سار، وهذا كله سهل يسير على الله ولكن له الحكمة في ترك ذلك وله الحجة البالغة ﴿وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا﴾ قال الله تعالى: ﴿انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا﴾ أي: جاءوا بما يقذفونك به ويكذبون به عليك من قولهم ساحر مسحور مجنون كذاب شاعر، وكلها أقوال باطلة، كل أحد ممن له أدنى فهم وعقل يعرف كذبهم وافتراءهم في ذلك، ولهذا قال: ﴿فَضَلُّوا﴾ عن طريق الهدى ﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا﴾ وذلك أن كل من خرج عن الحق وطريق الهدى، فإنه ضالّ حيثما توجه، لأن الحق واحد ومنهجه متحد يصدق بعضه بعضًا.

ثم قال تعالى مخبرًا نبيه أنه إن شاء لآتاه خيرًا مما يقولون في الدنيا وأفضل وأحسن، فقال: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا (١٠)﴾.

قال مجاهد: يعني في الدنيا، قال: وقريش يسمّون كل بيت من حجارة قصرًا كبيرًا كان أو صغيرًا (١).

قال سفيان الثوري: عن حبيب بن أبي ثابت، عن خيثمة: قيل للنبي : إن شئت أن نعطيك خزائن الأرض ومفاتيحها ما لم نعطه نبيًا قبلك، ولا نعطي أحدًا من بعدك ولا ينقص ذلك مما لك عند الله، فقال: "اجمعوها لي في الآخرة" فأنزل الله ﷿ في ذلك ﴿تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا (١٠)(٢).

وقوله: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ﴾ أي: إنما يقول هؤلاء هكذا تكذيبًا وعنادًا لا أنهم يطلبون ذلك تبصرًا واسترشادًا بل تكذيبهم بيوم القيامة يحملهم على قول ما يقولونه من هذه الأقوال ﴿وَأَعْتَدْنَا﴾ أي: أرصدنا ﴿لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا﴾ أي: عذابًا أليمًا حارًا لا يطاق في نار جهنم.

قال الثوري: عن سلمة بن كهيل، عن سعيد بن جبير ﴿سَعِيرًا﴾ وادٍ من قيح جهنم.

وقوله: ﴿إِذَا رَأَتْهُمْ﴾ أي: جهنم ﴿مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ يعني في مقام المحشر (٣).

قال السدي: من مسيرة مائة عام (٤) ﴿سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا﴾ أي: حنقًا عليهم، كما قال تعالى: ﴿إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (٧) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ﴾ [الملك: ٧، ٨] أي: يكاد ينفصل بعضها عن بعض من شدة غيظها على من كفر بالله.

وروى ابن أبي حاتم: حدثنا إدريس بن حاتم بن الأحنف الواسطي، أنه سمع محمد بن الحسن الواسطي، عن أصبغ بن زيد، عن خالد بن كثير، عن خالد بن دريك بإسناده عن رجل من أصحاب النبي قال: قال رسول الله: "من يقل عليَّ ما لم أقل، أو ادعى إلى غير والديه،


(١) أخرجه آدم بن أبي إياس وابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة (المصنف ١١/ ٥٠٩)، والطبري كلاهما من طريق سفيان به، وسنده مرسل لأن خيثمة تابعي.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق سفيان به، وسنده مرسل.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق أسباط عن السدي، وسنده مرسل.