للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال أبو الأحوص: عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي ﴿هَبَاءً مَنْثُورًا﴾ قال: الهباء رهج (١) الدواب (٢)، وروي مثله عن ابن عباس أيضًا والضحاك، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم (٣).

وقال قتادة في قوله: ﴿هَبَاءً مَنْثُورًا﴾ قال: أما رأيت يبس الشجر إذا ذرته الريح؟ فهو ذلك الورق (٤).

وقال عبد الله بن وهب: أخبرني عاصم بن حكيم، عن أبي سريع الطائي، عن [عُبيد بن يعلى] (٥) قال: وإن الهباء الرماد (٦). إذا ذرته الريح، وحاصل هذه الأقوال التنبيه على مضمون الآية، وذلك أنهم عملوا أعمالًا اعتقدوا أنها على شيء، فلما عرضت على الملك الحكيم العدل الذي لا يجور ولا يظلم أحدًا إذا إنها لا شيء بالكلية، وشبهت في ذلك بالشيء التافه الحقير المتفرق الذي لا يقدر صاحبه منه على شيء بالكلية، كما قال تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (١٨)[إبراهيم]، وقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا﴾ [البقرة: ٢٦٤]، وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا﴾ [النور: ٣٩]، وتقدم الكلام على تفسير ذلك، ولله الحمد والمنة.

وقوله تعالى: ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (٢٤)﴾؛ أي: يوم القيامة ﴿لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (٢٠)[الحشر]، وذلك أن أهل الجنة يصيرون إلى الدرجات العاليات والغرفات الآمنات، فهم في مقام أمين حسن المنظر طيب المقام ﴿خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (٧٦)[الفرقان]، وأهل النار يصيرون إلى الدركات السافلات، والحسرات المتتابعات، وأنواع العذاب والعقوبات ﴿إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (٦٦)[الفرقان]؛ أي: بئس المنزل منظرًا، وبئس المقيل مقامًا، ولهذا قال تعالى: ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (٢٤)﴾؛ أي: بما عملوه من الأعمال المتقبلة نالوا ما نالوا، وصاروا إلى ما صاروا إليه، بخلاف أهل النار فإنهم ليس لهم عمل واحد يقتضي دخول الجنة لهم والنجاة من النار، فنبه تعالى بحال السعداء على حال الأشقياء، وأنه لا خير عندهم بالكلية، فقال تعالى: ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (٢٤)﴾.


(١) أي: غبار الدواب (النهاية ٢/ ٢٨١).
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق أبي الأحوص، وفيه أيضًا الحارث وهو الأعور الهمداني وهو ضعيف.
(٣) ذكرهم ابن أبي حاتم بحذف السند.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق خالد بن قيس عن قتادة، وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة بنحوه.
(٥) كذا في تفسير ابن أبي حاتم وترجمته وفي النسخ الخطية بلفظ: "عُبيد بن يعلى".
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق ابن وهب به، لكنه معلقًا عن ابن وهب، فسنده ضعيف.