للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: وفسرناه تفسيرًا (١).

﴿وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ﴾؛ أي: بحجة وشبهة ﴿إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾؛ أي: ولا يقولون قولًا يعارضون به الحق، إلا أجبناهم بما هو الحق في نفس الأمر وأبين وأوضح وأفصح من مقالتهم.

قال سعيد بن جبير عن ابن عباس ﴿وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ﴾ أي: بما يلتمسون به عيب القرآن والرسول ﴿إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ﴾ الآية؛ أي: إلا نزل جبريل من الله تعالى (٢) بجوابهم.

ثم في هذا اعتناء كبير لشرف الرسول ، حيث كان يأتيه الوحي من الله ﷿ بالقرآن صباحًا ومساء، وليلًا ونهارًا، سفرًا وحضرًا، وكلّ مرة كان يأتيه الملك بالقرآن لا كإنزال كتاب مما قبله من الكتب المتقدمة، فهذا المقام أعلى وأجلُّ وأعظم مكانة من سائر إخوانه من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فالقرآن أشرف كتاب أنزله الله، ومحمد أعظم نبي أرسله الله تعالى، وقد جمع الله للقرآن الصفتين معًا، ففي الملأ الأعلى أنزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، ثم أنزل بعد ذلك إلى الأرض منجمًا بحسب الوقائع والحوادث.

وقال أبو عبد الرحمن النسائي: أخبرنا أحمد بن سليمان، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا داود، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا في ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك في عشرين سنة، قال الله تعالى: ﴿وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (٣٣)﴾ وقال تعالى: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (١٠٦)(٣) [الإسراء].

ثم قال تعالى مخبرًا عن سوء حال الكفار في معادهم يوم القيامة، وحشرهم إلى جهنم في أسوأ الحالات وأقبح الصفات ﴿الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا (٣٤)﴾. وفي الصحيح عن أنس أن رجلًا قال: يا رسول الله، كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ فقال: "إن الذي أمشاه على رجليه قادر أن يمشيه على وجهه يوم القيامة" (٤) وهكذا قال مجاهد والحسن وقتادة وغير واحد من المفسرين.

﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا (٣٥) فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا (٣٦) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (٣٧) وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (٣٨) وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا (٣٩) وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا (٤٠)﴾.

يقول تعالى متوعدًا من كذب رسوله محمدًا من مشركي قومه ومن خالفهم، ومحذرهم من


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق أصبغ عن عبد الرحمن.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم معلقًا بسند ضعيف من طريق سعيد بن جبير به.
(٣) أخرجه النسائي بسنده ومتنه (السنن الكبرى، التفسير، ح ١١٣٧٢) وسنده صحيح.
(٤) تقدم تخريجه في تفسير سورة الإسراء آية ٩٧.