للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عقابه وأليم عذابه مما أحله بالأمم الماضية المكذبين لرسله، فبدأ بذكر موسى وأنه بعثه وجعل معه أخاه هارون وزيرًا؛ أي: نبيًا مؤازرًا ومؤيدًا وناصرًا، فكذبهما فرعون وجنوده ﴿دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا﴾ [محمد: ١٠]، وكذلك فعل بقوم نوح حين كذبوا رسوله نوحًا ، ومن كذب برسول فقد كذب بجميع الرسل، إذ لا فرق بين رسول ورسول، ولو فرض أن الله تعالى بعث إليهم كل رسول فإنهم كانوا يكذبون، ولهذا قال تعالى: ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ﴾ ولم يبعث إليهم إلا نوح فقط، وقد لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا يدعوهم إلى الله ﷿، ويحذرهم نقمه ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [هود: ٤٠] ولهذا أغرقهم الله جميعًا ولم يبق منهم أحدًا، ولم يترك من بني آدم على وجه الأرض سوى أصحاب السفينة فقط ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً﴾؛ أي: عبرة يعتبرون بها، كما قال تعالى: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (١١) لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (١٢)[الحاقة]؛ أي: وأبقينا لكم من السفن ما تركبون في لُجج البحار لتذكروا نعمة الله عليكم في إنجائكم من الغرق، وجعلكم من ذرية من آمن به وصدق أمره.

وقوله تعالى: ﴿وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ﴾ قد تقدم الكلام على قصتيهما في غير ما سورة، كسورة الأعراف بما أغنى عن الإعادة.

وأما أصحاب الرس، فقال ابن جريج عن ابن عباس: هم أهل قرية من قرى ثمود (١).

وقال ابن جريج: قال عكرمة: أصحاب الرسّ بفلج، وهم أصحاب يس (٢).

وقال قتادة: فلج من قرى اليمامة (٣).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم، حدثنا الضحاك بن مخلد أبو عاصم، حدثنا شبيب بن بشر، حدثنا عكرمة، عن ابن عباس في قوله: ﴿وَأَصْحَابَ الرَّسِّ﴾ قال: بئر بأذربيجان (٤).

وقال الثوري عن أبي بُكير، عن عكرمة: الرسّ: بئر رسوا فيها نبيهم؛ أي: دفنوه بها (٥).

وقال محمد بن إسحاق، عن محمد بن كعب قال: قال رسول الله : "إن أول الناس يدخل الجنة يوم القيامة العبد الأسود، وذلك أن الله تعالى بعث نبيًا إلى أهل قرية فلم يؤمن به من أهلها إلا ذلك العبد الأسود، ثم إن أهل القرية عدوا على النبي فحفروا له بئرًا فألقوه فيها، ثم أطبقوا عليه بحجر ضخم، قال: فكان ذلك العبد يذهب فيحتطب على ظهره، ثم يأتي بحطبه فيبيعه ويشتري به طعامًا وشرابًا، ثم يأتي به إلى تلك البئر فيرفع تلك الصخرة، ويعينه الله تعالى عليها، فيدلي إليه طعامه وشرابه، ثم يردها كما كانت، قال: فكان ذلك ما شاء الله أن يكون، ثم إنه ذهب يومًا يحتطب كما كان يصنع، فجمع حطبه وحزم حزمته وفرغ منها، فلما أراد أن يحتملها


(١) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق ابن جريج به، وهو لم يسمع من ابن عباس.
(٢) أخرجه الطبري بسند فيه الحسين وهو ابن داود: ضعيف.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة بلفظ: "أهل فلح وآبار كانوا عليها، وما ذكره الحافظ ابن كثير أقرب للواقع بأنها الرس المعروفة في القصيم بالمملكة العربية السعودية".
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده حسن.
(٥) أخرجه الطبري بسند جيد من طريق الثوري عن أبي بكير عن عكرمة.