للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وجد سنة، فاضطجع فنام، فضرب الله على أذنه سبع سنين نائمًا، ثم إنه هبَّ فتمطى فتحول لشقه الآخَر فاضطجع فضرب الله على أذنه سبع سنين أخرى، ثم إنه هبَّ واحتمل حزمته ولا يحسب إلا أنه نام ساعة من نهار، فجاء إلى القرية فباع حزمته، ثم اشترى طعامًا وشرابا كما كان يصنع، ثم إنه ذهب إلى الحفيرة موضعها الذي كانت فيه، فالتمسه فلم يجده، وكان قد بدا لقومه فيه بداء فاستخرجوه وآمنوا به وصدقوه، قال: فكان نبيهم يسألهم عن ذلك الأسود ما فعل، فيقولون له: لا ندري، حتى قبض الله النبي، هبَّ الأسود من نومته بعد ذلك" فقال رسول الله : "إن ذلك الأسود لأول من يدخل الجنة". وهكذا رواه ابن جرير، عن ابن حميد، عن سلمة، عن محمد بن كعب مرسلًا (١)، وفيه غرابة ونكارة، ولعل فيه إدراجًا، والله أعلم. وقال ابن جرير: لا يجوز أن يحمل هؤلاء على أنهم أصحاب الرسّ الذين ذكروا في القرآن، لأن الله أخبر عنهم أنه أهلكهم، وهؤلاء قد بدا لهم فآمنوا بنبيهم اللهم إلا أن يكون حدث لهم أحداث آمنوا بالنبي بعد هلاك آبائهم، والله أعلم.

واختار ابن جرير أن المراد بأصحاب الرس هم أصحاب الأخدود الذين ذكروا في سورة البروج (٢)، فالله أعلم.

وقوله تعالى: ﴿وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا﴾؛ أي: وأممًا أضعاف من ذكر أهلكناهم كثيرة، ولهذا قال: ﴿وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ﴾؛ أي: بينا لهم الحجج ووضحنا لهم الأدلة، كما قال قتادة: وأزحنا الأعذار عنهم (٣) ﴿وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا﴾؛ أي: أهلكنا إهلاكًا، كقوله تعالى: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ﴾ [الإسراء: ١٧]. والقرن هو الأمة من الناس، كقوله: ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ (٤٢)[المؤمنون] وحده بعضهم بمائة وعشرين سنة. وقيل: بمائة. وقيل: بثمانين، وقيل: أربعين، وقيل: غير ذلك، والأظهر أن القرن هم الأمة المتعاصرون في الزمن الواحد وإذا ذهبوا وخلفهم جيل فهم قرن آخر، كما ثبت في الصحيحين: "خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" (٤) الحديث ﴿وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ﴾ يعني: قرية قوم لوط، وهي سدوم ومعاملتها التي أهلكها الله بالقلب وبالمطر من الحجارة التي من سجيل، كما قال تعالى: ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٣)[الشعراء]، وقال: ﴿وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (١٣٨)[الصافات]، وقال تعالى: ﴿وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (٧٦)[الحجر]، وقال: ﴿وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ﴾ [الحجر: ٧٩]، ولهذا قال: ﴿أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا﴾؛ أي: فيعتبروا بما حل بأهلها من العذاب والنكال بسبب تكذيبهم بالرسول وبمخالفتهم أوامر الله


(١) أخرجه الطبري بسنده بنحوه، وسنده ضعيف للإرسال وعنعنة محمد بن إسحاق، وضعفه الحافظ ابن كثير سندًا ومتنًا.
(٢) ليس هذا باختيار الطبري وإنما قال: "ولا أعلم قومًا كانت لهم قصة بسبب حفرة ذكرهم الله في كتابه إلا أصحاب الأخدود، فإن يكونوا هم المعنيِّين" بقوله: ﴿وَأَصْحَابَ الرَّسِّ﴾ [الفرقان: ٣٨] فإنا سنذكر خبرهم إن شاء الله إذا انتهينا إلى سورة البروج، وإن يكونوا غيرهم فلا نعرف لهم خبرًا إلا ما جاء من جملة الخبر عنهم أنهم قوم رسّوا نبيهم في حفرة إلا ما حدثنا … ثم ذكر رواية ابن إسحاق المذكورة أعلاه.
(٣) أخرجه عبد الرزاق والطبري بسند صحيح عن معمر عن قتادة بلفظ: "كل قد أعذر الله إليه، ثم انتقم منه".
(٤) الذي في الصحيح هو بلفظ: "خير الناس قرني"، وصح عنه بلفظ: "خير أُمتي قرني" (السلسلة الصحيحة ح ١٨٤١).