للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا﴾؛ أي: بين العذب والمالح ﴿بَرْزَخًا﴾؛ أي: حاجزًا وهو اليبس من الأرض، ﴿وَحِجْرًا مَحْجُورًا﴾؛ أي: مانعًا من أن يصل أحدهما إلى الآخر، كقوله تعالى: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (١٩) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢١)[الرحمن]، وقوله تعالى: ﴿أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٦١)[النمل].

وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا﴾ الآية؛ أي: خلق الإنسان من نطفة ضعيفة فسواه وعدله وجعله كامل الخلقة ذكرًا وأنثى، كما يشاء، ﴿فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا﴾ فهو في ابتداء أمره ولد نسيب، ثم يتزوج فيصير صهرًا، ثم يصير له أصهار وأختان وقرابات، وكل ذلك من ماء مهين، ولهذا قال تعالى: ﴿وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا﴾.

﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا (٥٥) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٥٦) قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (٥٧) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا (٥٨) الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (٥٩) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (٦٠)﴾.

يخبر تعالى عن جهل المشركين في عبادتهم غير الله من الأصنام التي لا تملك له ضرًا ولا نفعًا، بلا دليل قادهم إلى ذلك، ولا حجة أدَّتهم إليه بل بمجرد الآراء والتشهي والأهواء، فهم يوالونهم ويقاتلون في سبيلهم، ويعادون الله ورسوله والمؤمنين فيهم، ولهذا قال تعالى: ﴿وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا﴾؛ أي: عونًا في سبيل الشيطان على حزب الله وحزب الله هم الغالبون، كما قال تعالى: ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (٧٤) لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (٧٥)[يس]؛ أي: آلهتهم التي اتخذوها من دون الله لا تملك لهم نصرًا، وهؤلاء الجهلة للأصنام جند محضرون يقاتلون عنهم، ويذبُّون عن حوزتهم، ولكن العاقبة والنصرة لله ولرسوله وللمؤمنين في الدنيا والآخرة.

قال مجاهد: ﴿وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا﴾ قال: يظاهر الشيطان على معصية الله ويعينه (١).

وقال سعيد بن جبير: ﴿وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا﴾ يقول: عونًا للشيطان على ربه بالعداوة والشرك (٢).

وقال زيد بن أسلم: ﴿وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا﴾ قال: مواليًا (٣).

ثم قال تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٥٦)﴾؛ أي: بشيرًا


(١) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق ليث بن أبي سُليم عن مجاهد، وليث فيه مقال.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير.
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وأخرجه ابن أبي حاتم بسند ضعيف من طريق محمد بن أبان عن زيد بن أسلم، ومحمد بن أبان ضعيف (المجروحين ٢/ ٢٦٠).