للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

للمؤمنين ونذيرًا للكافرين، مبشرًا بالجنة لمن أطاع الله ونذيرًا بين يدي عذاب شديد لمن خالف أمر الله

﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾؛ أي: على هذا البلاغ وهذا الإنذار من أجرة أطلبها من أموالكم، وإنما أفعل ذلك ابتغاء وجه الله تعالى ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨)[التكوير].

﴿إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا﴾؛ أي: طريقًا ومسلكًا ومنهجًا يقتدي فيها بما جئت به.

ثم قال تعالى: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾؛ أي: في أمورك كلها كن متوكلًا على الله الحي الذي لا يموت أبدًا، الذي هو ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الحديد: ٣]، الدائم الباقي السرمدي الأبدي الحي القيوم ورب كل شيء ومليكه اجعله ذخرك وملجأك، وهو الذي يتوكل عليه ويفزع إليه، فإنه كافيك وناصرك ومؤيدك ومظفرك، كما قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ [المائدة: ٦٧].

وروى ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل قال: قرأت على معقل يعني: ابن عبيد الله، عن عبد الله بن أبي حسين، عن شهر بن حوشب قال: لقي سلمان النبيَّ في بعض فجاج المدينة فسجد له، فقال: "لا تسجد لي يا سلمان، واسجد للحيّ الذي لا يموت" (١) وهذا مرسل حسن.

وقوله تعالى: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ﴾؛ أي: أقرن بين حمده وتسبيحه، ولهذا كان رسول الله يقول: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك" (٢)؛ أي: أخلص له العبادة والتوكل، كما قال تعالى: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (٩)[المزمل]، وقال تعالى: ﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾ [هود: ١٢٣]، وقال تعالى: ﴿قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا﴾ [الملك: ٢٩].

وقوله تعالى: ﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا﴾؛ أي: بعلمه التام الذي لا يخفى عليه خافية ولا يعزب عنه مثقال ذرة.

وقوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ الآية؛ أي: هو الحي الذي لا يموت، وهو خالق كل شيء وربه ومليكه، الذي خلق قدرته السموات السبع في ارتفاعها واتساعها، والأرضين السبع في سفولها وكثافتها ﴿فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾؛ أي: يدبر الأمر، ويقضي الحق، وهو خير الفاصلين.

وقوله: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ أي: استعلم عنه من هو خبير به عالم به، فاتبعه واقتد به، وقد علم أنه لا أحد أعلم بالله ولا أخبر به من عبده ورسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه، سيد ولد آدم على الإطلاق في الدنيا والآخرة، الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، فما قاله فهو الحق، وما أخبر به فهو الصدق، وهو الإمام المحكم الذي إذا تنازع الناس في شيء وجب ردّ نزاعهم إليه، فما وافق أقواله وأفعاله فهو الحق، وما خالفها فهو مردود على قائله وفاعله كائنًا من كان، قال الله تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء: ٥٩]، وقال تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده ضعيف لإرسال شهر بن حوشب، وفي شهر مقال أيضًا.
(٢) تقدم تخريجه في الاستعاذة قبل سورة الفاتحة.