للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الشورى: ١٠]، وقال تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ [الأنعام: ١١٥]؛ أي: صدقًا في الإخبار وعدلا في الأوامر والنواهي، ولهذا قال تعالى: ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾.

قال مجاهد: في قوله: ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ قال: ما أخبرتك من شيء فهو كما أخبرتك (١). وكذا قال ابن جريج (٢).

وقال شمر بن عطية في قوله: ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ هذا القرآن خبير به (٣).

ثم قال تعالى منكرًا على المشركين الذي يسجدون لغير الله من الأصنام والأنداد: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ﴾؛ أي: لا نعرف الرحمن، وكانوا ينكرون أن يسمى الله باسمه الرحمن، كما أنكروا ذلك يوم الحديبية حين قال النبي للكاتب: "اكتب بسم الله الرحمن الرحيم" فقالوا: لا نعرف الرحمن ولا الرحيم، ولكن اكتب كما كنت تكتب: باسمك اللَّهم، ولهذا أنزل الله تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ (٤) [الإسراء: ١١٠]؛ أي: هو الله وهو الرحمن وقال في هذه الآية: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ﴾؛ أي: لا نعرفه ولا نقر به ﴿أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا﴾؛ أي: لمجرد قولك ﴿وَزَادَهُمْ نُفُورًا﴾ فأما المؤمنون فإنهم يعبدون الله الذي هو الرحمن الرحيم، ويفردونه بالإلهية، ويسجدون له، وقد اتفق العلماء على أن هذه السجدة التي في الفرقان مشروع السجود عندها لقارئها ومستمعها، كما هو مقرر في موضعه، والله أعلم.

﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (٦١) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (٦٢)﴾.

يقول تعالى ممجدًا نفسه ومعظمًا على جميل ما خلق في السماوات من البروج، وهي الكواكب العظام في قول مجاهد وسعيد بن جبير وأبي صالح والحسن وقتادة (٥).

وقيل: هي قصور في السماء للحرس، يروى هذا عن علي وابن عباس ومحمد بن كعب وإبراهيم النخعي وسليمان بن مهران الأعمش، وهو رواية عن أبي صالح أيضًا (٦)، والقول الأول أظهر. اللَّهم إلا أن يكون الكواكب العظام هي قصور للحرس، فيجتمع القولان، كما قال


(١) أخرجه البستي وابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٢) أخرجه الطبري بسند ضعيف فيه الحسين بن داود وهو ضعيف ويشهد له سابقه.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق عبيد بن حميد عن شمر، وعبيد لم أجد له ترجمة.
(٤) أخرجه الإمام أحمد من حديث عبد الله بن مغفل المُزني (المسند ٢٧/ ٣٥٤ ح ١٦٨٠٠)، وصحح سنده محققوه، وصحح سنده الحافظ ابن حجر (فتح الباري ٥/ ٣٥١).
(٥) ذكرهم ابن أبي حاتم بحذف السند إلا قول أبي صالح فقد أخرجه بسند صحيح من طريق إسماعيل بن أبي خالد عنه، وقول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه.
(٦) ذكرهم ابن أبي حاتم كلهم بحذف السند إلا قول علي ابن أبي طالب أخرجه بسند ضعيف جدًا من طريق سعد بن طريق عن أصبغ بن نباتة عنه، وسعد وأصبغ وكلاهما متروك. كما أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن عن عطية العوفي.