للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تعالى: ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ﴾ [الملك: ٥]، ولهذا قال تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا﴾ وهي الشمس المنيرة التي هي كالسراج في الوجود، كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (١٣)[النبأ].

﴿وَقَمَرًا مُنِيرًا﴾؛ أي: مشرقًا مضيئًا بنور آخر من غير نور الشمس، كما قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا﴾ [يونس: ٥]، وقال مخبرًا عن نوح ، أنه قال لقومه: ﴿أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (١٥) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (١٦)[نوح]، ثم قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً﴾؛ أي: يخلف كل واحد منهما صاحبه، يتعاقبان لا يفتران، إذا ذهب هذا جاء هذا، وإذا جاء هذا ذهب ذاك، كما قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ﴾ الآية [إبراهيم: ٣٣]، وقال: ﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا﴾ الآية [لأعراف: ٥٤]، وقال: ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٤٠)[يس].

وقوله تعالى: ﴿لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾؛ أي: جعلهما يتعاقبان توقيتًا لعبادة عباده له ﷿، فمن فاته عمل في الليل استدركه في النهار، ومن فاته عمل في النهار استدركه في الليل، وقد جاء في الحديث الصحيح: "إن الله ﷿ يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل" (١).

وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا [أبو حرة] (٢)، عن الحسن، أن عمر بن الخطاب أطال صلاة الضحى، فقيل له: صنعت اليوم شيئًا لم تكن تصنعه، فقال: إنه بقي عليَّ من وردي شيء، فأحببت أن أتمَّه، أو قال أقضيه، وتلا هذه الآية: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (٦٢)(٣).

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في الآية: يقول من فاته شيء من الليل أن يعمله أدركه بالنهار، أو من النهار أدركه بالليل (٤)، وكذا قال عكرمة وسعيد بن جبير والحسن (٥).

وقال مجاهد وقتادة: خلفة؛ أي: مختلفين؛ أي: هذا بسواده وهذا بضيائه (٦).


(١) أخرجه مسلم من حديث أبي موسى الأشعري ، (الصحيح، التوبة، باب غيرة الله تعالى ح ٢٧٥٩).
(٢) كذا في تفسير ابن أبي حاتم ومن ترجمته لأن أبا حرة معروف بالتدليس عن الحسن البصري (تهذيب التهذيب ١١/ ١٠٤)، وفي النسخ الخطية صُحف إلى: (أبو حمزة).
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق أبي داود الطيالسي به، وسنده ضعيف لأن أبا حُرة يدلس عن الحسن، والحسن لم يسمع من عمر .
(٤) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند ثابت من طريق علي به.
(٥) قول عكرمة أخرجه ابن أبي حاتم بسند ضعيف لضعف حفص بن عمر العدني، وقول سعيد بن جبير أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق عطاء بن دينار عنه، وقول الحسن أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح عن معمر عنه.
(٦) قول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه بنحوه وأخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن من طريق عمر بن قيس بن ماهر عن مجاهد بنحوه.