للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال قتادة ﴿يَلْقَ أَثَامًا﴾ نكالًا، كنا نحدث أنه وادٍ في جهنم (١).

وقد ذُكر لنا أن لقمان كان يقول: يا بني، إياك والزنا، فإن أوله مخافة وآخره ندامة (٢).

وقد ورد في الحديث الذي رواه ابن جرير وغيره عن أبي أُمامة الباهلي موقوفًا ومرفوعًا: أن غيًا وآثامًا بئران في قعر جهنم (٣)، أجارنا الله منهما بمنه وكرمه.

وقال السدي: ﴿يَلْقَ أَثَامًا﴾ جزاء (٤)، وهذا أشبه بظاهر الآية، وبهذا فسره بما بعده مبدلًا منه، وهو قوله تعالى: ﴿يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾؛ أي يكرر عليه ويغلظ ﴿وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا﴾؛ أي: حقيرًا ذليلًا.

وقوله تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا﴾؛ أي: جزاؤه على ما فعل من هذه الصفات القبيحة ما ذكر ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ﴾ أي: في الدنيا إلى الله ﷿ من جميع ذلك، فإن الله يتوب عليه، وفي ذلك دلالة على صحة توبة القاتل، ولا تعارض بين هذه وبين آية النساء ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (٩٣)[النساء]، فإن هذه وإن كانت مدنية إلا أنها مطلقة، فتحمل على من لم يتب لأن هذه مقيدة بالتوبة، ثم قد قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ الآية [النساء: ٤٨].

قد ثبتت السنة الصحيحة عن رسول الله بصحة توبة القاتل، كما ذكر مقررًا من قصة الذي قتل مائة رجل ثم تاب، فقبلَ الله توبته، وغير ذلك من الأحاديث.

وقوله تعالى: ﴿فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ في معنى قوله: ﴿يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾ قولان:

(أحدهما): أنهم بدلوا مكان عمل السيئات بعمل الحسنات.

قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: ﴿يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾ قال: هم المؤمنون كانوا من قبل إيمانهم على السيئات، فرغب الله بهم عن ذلك، فحولهم إلى الحسنات، فأبدلهم مكان السيئات الحسنات (٥)، وروي عن مجاهد عن ابن عباس أنه كان ينشد عند هذه الآية:

بدلن بعد حرهِ خريفًا … وبعد طول النفس الوجيفا (٦) (٧)

يعني تغيرت تلك الأحوال إلى غيرها.


(١) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.
(٢) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة لكنه مرسل.
(٣) تقدم تخريجه وتضعيفه في تفسير سورة مريم آية ٥٩.
الحسين وهو ابن داود: ضعيف.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم بسند جيد من طريق إسباط عن السدي.
(٥) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند ثابت من طريق علي به.
(٦) الوجيف هو: ضرب من سير الإبل والخيل (النهاية ٥/ ١٥٧).
(٧) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند ضعيف من طريق جابر بن يزيد عن مجاهد به، وجابر ضعيف.