للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال محمد بن الحنفية: هو اللغو والغناء (١).

وقال أبو العالية وطاوس وابن سيرين والضحاك والربيع بن أنس وغيرهم: هي أعياد المشركين (٢).

وقال عمرو بن قيس، هي مجالس السوء والخنا (٣).

وقال مالك عن الزهري: شرب الخمر لا يحضرونه ولا يرغبون فيه، كما جاء في الحديث: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر".

وقيل المراد بقوله تعالى: ﴿لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾؛ أي: شهادة الزور، وهي الكذب متعمدًا على غيره، كما في الصحيحين عن أبي بَكرة قال: قال رسول الله : "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ " ثلاثًا، قلنا: بلى يا رسول الله. قال: "الشرك بالله وعقوق الوالدين" وكان متكئًا، فجلس فقال: "ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور" فمازال يكررها حتى قلنا: ليته سكت (٤).

والأظهر من السياق أن المراد لا يشهدون الزور أي: لا يحضرونه، ولهذا قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾؛ أي: لا يحضرون الزور، وإذا اتفق مرورهم به مروا ولم يتدنَّسوا منه بشيء، ولهذا قال: ﴿مَرُّوا كِرَامًا﴾.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو الحسن العجلي، عن محمد بن مسلم، أخبرني إبراهيم بن ميسرة، أن ابن مسعود مرَّ بلهو معروضًا، فقال رسول الله : "لقد أصبح ابن مسعود وأمسى كريمًا" (٥).

وحدثنا الحسين بن محمد بن سلمة النحوي، حدثنا حبان، أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمد بن مسلم، أخبرني ميسرة قال: بلغني أن ابن مسعود مرَّ بلهو معرضًا فلم يقف، فقال رسول الله : "لقد أصبح ابن مسعود وأمسى كريمًا". ثم تلا إبراهيم بن ميسرة: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ (٦).

وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (٧٣)﴾ وهذه أيضًا من صفات المؤمنين ﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [الأنفال: ٢]، بخلاف الكافر، فإنه إذا سمع كلام الله لا يؤثِّر فيه ولا يتغيَّر عما كان عليه بل يبقى مستمرًا على كفره وطغيانه وجهله وضلاله، كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ﴾ [التوبة: ١٢٤، ١٢٥]، فقوله: ﴿لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا﴾؛ أي: بخلاف الكافر الذي إذا سمع آيات الله فلا تؤثّر فيه، فيستمر على حاله كأن لم يسمعها أصمٌ أعمى.


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسند فيه إسماعيل بن سليمان الأزرق وهو ضعيف كما في التقريب.
(٢) ذكرهم ابن أبي حاتم بحذف السند الأقوال الضحاك فقد أسنده.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم بسند جيد من طريق مسلمة بن جعفر البجلي عن عمرو بن قيس.
(٤) تقدم تخريجه في تفسير سورة النساء آية ٣١.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده ضعيف لأن إبراهيم بن ميسرة لم يسمع من ابن مسعود.
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه وهو كسابقه.