للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وشهدنا ما شهدت، فاستغضب المقداد، فجعلت أعجب لأنه ما قال إلا خيرًا، ثم أقبل إليه فقال: ما يحمل الرجل على أن يتمنى محضرًا غيبه الله عنه لا يدري لو شهده كيف يكون فيه، والله لقد حضر رسول الله أقوام أكبَّهم الله على مناخرهم في جهنم لم يجيبوه ولم يصدقوه، أو لا تحمدون الله إذ أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعرفون إلا ربكم مصدقين بما جاء به نبيكم قد كفيتم البلاء بغيركم؟ لقد بعث الله النبي على أشدّ حال بعث عليها نبيًا من الأنبياء في فترة جاهلية، ما يرون أن دينًا أفضل من عبادة الأوثان، فجاء بفرقان فرَّق به بين الحق والباطل، وفرَّق بين الوالد وولده، إن كان الرجل ليرى والده وولده أو أخاه كافرًا وقد فتح الله قفل قلبه للإيمان يعلم أنه إن هلك دخل النار، فلا تقرُّ عينه وهو يعلم أن حبيبه في النار، وأنها التي قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾ (١) وهذا إسناد صحيح، ولم يخرجوه.

وقوله تعالى: ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ قال ابن عباس والحسن والسدي وقتادة والربيع بن أنس: أئمة يقتدى بنا في الخير (٢). وقال غيرهم: هداة مهتدين دعاة إلى الخير، فأحبوا أن تكون عبادتهم متصلة بعبادة أولادهم وذرياتهم، وأن يكون هداهم متعديًا إلى غيرهم بالنفع، وذلك أكثر ثوابًا، وأحسن مآبًا، ولهذا ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له، أو علم ينتفع به من بعده، أو صدقة جارية" (٣).

﴿أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (٧٥) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (٧٦) قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (٧٧)﴾.

لمّا ذكر تعالى من أوصاف عباده المؤمنين ما ذكر من الصفات الجميلة، والأقوال والأفعال الجليلة، قال بعد ذلك كله ﴿أُولَئِكَ﴾ أي: المتصفون بهذه ﴿يُجْزَوْنَ﴾ يوم القيامة ﴿الْغُرْفَةَ﴾ وهي: الجنة.

قال أبو جعفر الباقر وسعيد بن جبير والضحاك والسدي (٤)، سُمِّيت بذلك لارتفاعها ﴿بِمَا صَبَرُوا﴾؛ أي: على القيام بذلك ﴿وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا﴾ أي: في الجنة ﴿تَحِيَّةً وَسَلَامًا﴾؛ أي: يبتدرون فيها بالتحية والإكرام، ويلقون التوقير والاحترام، فلهم السلام وعليهم السلام، فإن الملائكة يدخلون عليهم من كل باب: سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار.

وقوله تعالى: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾؛ أي: مقيمين لا يظعنون ولا يحولون ولا يموتون ولا يزولون عنها ولا يبغون


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٣٩/ ٢٣٠ ح ٢٣٨١٠)، وصحح سنده محققوه. وكذا الحافظ ابن كثير.
(٢) قول ابن عباس أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند ثابت من طريق علي بن أبي طلحة عنه بنحوه، وبقية التابعين ذكرهم كلهم ابن أبي حاتم بحذف السند.
(٣) تقدم تخريجه في تفسير سورة البقرة آية ١٢٨.
(٤) ذكرهم ابن أبي حاتم كلهم بحذف السند إلا قول الضحاك فأخرجه بسند ضعيف من طريق جويبر عنه.