للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ذلك، سواء عليهم إنذارك وعدمه؛ فإنهم لا يؤمنون بما جئتهم به؛ كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٩٧)[يونس] وقال تعالى في حق المعاندين من أهل الكتاب: ﴿وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ … ﴾ الآية [البقرة: ١٤٥] أي: إن من كتب الله عليه الشقاوة فلا مسعد له، ومن أضله فلا هادي له؛ فلا تذهب نفسك عليهم حسرات، وبلغهم الرسالة، فمن استجاب لك فله الحظ الأوفر، ومن تولى فلا تحزن عليهم، (ولا يهمدنك) (١) ذلك؛ ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ﴾ [الرعد: ٤٠] ﴿إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ [هود: ١٢].

وقال علي بن أبي (٢) طلحة، عن ابن عباس - في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٦)﴾ قال: كان رسول الله يحرص أن يؤمن جميع الناس، ويتابعوه على الهدى؛ فأخبره الله تعالى أنه لا يؤمن إلا من سبق له من الله السعادة في الذكر الأول، ولا يضل إلا من سبق له من الله الشقاوة في الذكر الأول.

وقال محمد بن (٣) إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة - أو سعيد بن جبير -، عن ابن عباس ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي: بما أنزل إليك، وإن قالوا: إنا قد آمنا بما جاءنا قبلك، ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ أي: إنهم قد كفروا بما عندهم من ذكرك، وجحدوا ما أخذ عليهم من الميثاق، وقد كفروا بما جاءك، وبما عندهم مما جاءهم به غيرك، فكيف يسمعون منك إنذارًا وتحذيرًا، وقد كفروا بما عندهم من علمك؟

وقال أبو جعفر (٤) الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، قال: نزلت هاتان الآيتان في قادة الأحزاب، وهم الذين قال الله فيهم: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (٢٨) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (٢٩)[إبراهيم: ٢٨، ٢٩].

والمعنى الذي ذكرناه أولًا، وهو المروي عن ابن عباس في رواية علي بن أبي طلحة أظهر، (ويفسره (٥) بقية) الآيات التي في معناها. والله أعلم.

وقد ذكر ابن أبي حاتم (٦) هاهنا حديثًا؛ فقال: حَدَّثَنَا أبي، حَدَّثَنَا يحيى بن عثمان بن صالح


(١) كذا في (ج) و (ز) و (ع) و (ك) و (ي)، ووقع في (ص): "يهدنك"، وفي (ن): "يهمنك"، وسقط هذا اللفظ من (ل).
(٢) أخرجه ابن جرير (٢٩٧)؛ والطبراني في "الكبير" (ج ١٢/ رقم ١٣٠٢٥)؛ والبيهقي في "الأسماء والصفات" (١٤٦) من طريق عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح [وسقط ذكره عند الطبري] عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس فذكره. [وسنده ثابت]. وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (١/ ٢٨، ٢٩) لابن أبي حاتم وابن مردويه.
(٣) أخرجه ابن جرير (٢٩٥)؛ وابن أبي حاتم (٩٢) من طريق سلمة بن الفضل، عن ابن إسحاق به وعزاه السيوطي (١/ ٢٩) لابن إسحاق. [وسنده حسن].
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم (٩٣) من طريق آدم بن أبي إياس، عن أبي جعفر الرازي به. [وسنده جيد].
وأخرجه ابن جرير (٢٩٨) من طريق عبد الله بن أبي جعفر الرازي، عن أبيه، عن الربيع بن أنس من قوله ولم يذكر "أبا العالية".
(٥) في (ز) و (ن): "يفسر ببقية".
(٦) في "تفسيره" (٨٦) ومر الكلام عليه آنفًا.