للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأرض (١). وهذا مناسب من كلام الهدهد الذي جعل الله فيه من الخاصية ما ذكره ابن عباس وغيره من أنه يرى الماء يجري في تخوم الأرض وداخلها.

وقوله: ﴿وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾؛ أي: يعلم ما يخفيه العباد وما يعلنونه من الأقوال والأفعال، وهذا كقوله تعالى: ﴿سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (١٠)[الرعد].

وقوله: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٢٦)﴾؛ أي: هو المدعو وهو الله الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم، الذي ليس في المخلوقات أعظم منه. ولما كان الهدهد داعيًا إلى الخير، وعبادة الله وحده والسجود له نهي عن قتله، كما رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه، عن أبي هريرة قال: نهى النبي عن قتل أربع من الدواب: النملة والنحلة والهدهد والصرد (٢)، وإسناده صحيح.

﴿قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٢٧) اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (٢٨) قَالَتْ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (٢٩) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣١)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن قيل سليمان للهدهد حين أخبره عن أهل سبأ وملكتهم ﴿قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٢٧)﴾؛ أي: صدقت في إخبارك هذا ﴿أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ في مقالتك لتتخلص من الوعيد الذي أوعدتك؟ ﴿اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (٢٨)﴾ وذلك أن سليمان كتب كتابًا إلى بلقيس وقومها. وأعطاه ذلك الهدهد فحمله، قيل في جناحه كما هي عادة الطير، وقيل بمنقاره، وجاء إلى بلادهم فجاء إلى قصر بلقيس إلى الخلوة التي كانت تختلي فيها بنفسها فألقاه إليها من كوة هنالك بين يديها، ثم تولي ناحية أدبًا ورياسة، فتحيرت مما رأت وهالها ذلك، ثم عمدت إلى الكتاب فأخذته ففتحت ختمه وقرأته، فإذا فيه ﴿إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣١)﴾ فجمعت عند ذلك أمراءها ووزراءها وكبراء دولتها ومملكتها،

ثم قالت لهم ﴿يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ﴾ تعني: بكرمه ما رأته من عجيب أمره كون طائر أتى به فألقاه إليها، ثم تولى عنها أدبًا، وهذا أمر لا يقدر عليه أحد من الملوك، ولا سبيل لهم إلى ذلك، ثم قرأته عليهم ﴿إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣١)﴾ فعرفوا أنه من نبي الله سليمان ، وأنه لا قبل لهم به، وهذا الكتاب في غاية البلاغة والوجازة والفصاحة، فإنه حصل المعنى بأيسر عبارة وأحسنها.


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق أصبغ عن عبد الرحمن.
(٢) أخرجه ابن ماجه من حديث أبي هريرة (السنن، كتاب الصيد، باب ما ينهى عن قتله ح ٣٢٢٣)، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (ح ٢٦٠٨)، وأخرجه الإمام أحمد من حديث ابن عباس (المسند ٥/ ١٩٢ ح ٣٠٦٦)، وصحح سنده محققوه، وكذا أخرجه أبو داود (السنن، الأدب، باب في قتل الذر ح ٥٢٦٧).