للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال ابن جرير (١): وقال بعضهم: إنما معنى قوله تعالى: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ إخبار من الله عن تكبرهم، وإعراضهم عن الاستماع لما دعوا إليه من الحق؛ كما يقال: إن فلانًا (لأصم) (٢) عن هذا الكلام، إذا امتنع من سماعه، ورفع نفسه عن تفهمه تكبرًا؛ قال: وهذا يصح؛ لأن الله (تعالى) (٣) قد أخبر أنه هو الذي ختم على قلوبهم وأسماعهم.

[قلت: وقد أطنب الزمخشري (٤) في تقرير ما رده ابن جرير هاهنا، وتأول الآية من خمسة أوجه؛ وكلها ضعيفة جدًّا، وما (حداه) (٥) على ذلك إلا اعتزاله؛ لأن الختم على قلوبهم ومنعها عن وصول الحق إليها قبيح عنده، يتعالى الله عنه في اعتقاده؛ ولو فهم قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف: ٥] وقوله: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١٠)[الأنعام: ١١٠] وما أشبه ذلك من الآيات الدالة على أنه تعالى إنما ختم على قلوبهم، وحال بينهم وبين الهدى جزاءً وفاقًا على تماديهم في الباطل، وتركهم الحق؛ وهذا عدل منه تعالى حسن، وليس بقبيح، فلو أحاط علمًا بهذا لما قال ما قال واللّه أعلم.

قال القرطبي (٦): وأجمعت الأمة على أن الله (تعالى) (٧) قد وصف نفسه بالختم والطبع على قلوب الكافرين مجازاةً لكفرهم، كما] (٨) [قال: ﴿بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ﴾ [النساء: ١٥٥] وذكر حديث تقليب القلوب (٩)، و"يا مقلب القلوب، ثبت قلوبنا على دينك" (١٠)] (١١).


(١) في "تفسيره" (١/ ٢٦٠).
(٢) كذا في (ج) و (ز) و (ع) و (ل) و (هـ) و (ي) وهو الموافق لما في "تفسير الطبري"؛ وفي (ن): "أصم"؛ وفي (ك): "لأهتم"!!
(٣) من (ن).
(٤) في "الكشاف" (١/ ٢١).
(٥) كذا في (ج) و (ع) و (ك) و (ل) و (هـ) و (ي)؛ وفي (ن): "جرأه".
(٦) في "تفسيره" (١/ ١٨٧).
(٧) كذا في (ك) وهو الموافق لما في "القرطبي"، ووقع في (ن): " ﷿ " ولم يذكر لا هذا ولا ذاك في (ج) و (ع) و (ل) و (هـ) و (ي).
(٨) ساقط من (ز).
(٩) يعني حديث أبي موسى الأشعري مرفوعًا: "مثل القلب مثل ريشة، تقلبها الرياح بفلاة". أخرجه ابن ماجة (٨٨)؛ وابن أبي عاصم في "السنة" (٢٢٨) من طريق يزيد الرقاشي، عن غنيم بن قيس، عن أبي موسى.
ويزيد الرقاشي واه، وخالفه سعيد الجريري، فرواه عن غنيم بن قيس قال: قال أبو موسى فذكره موقوفًا.
أخرجه أحمد في "الزهد" (ص ١٩٩) قال: حَدَّثَنَا إسماعيل، عن الجريري. وهذا سند جيد، وإسماعيل بن علية سمع من الجريري قبل الاختلاط، وخالفه يزيد بن هارون فرواه عن الجريري به مرفوعًا. أخرجه أحمد (٤/ ٤١٩)؛ وابن أبي عاصم (٢٢٧) ورواية إسماعيل أصح ويزيد سمع من الجريري في الاختلاط، ومما يؤيد رواية الْوَقْف أن علي بن مسهر رواه عن عاصم الأحول، عن أبي كبشة السدوسي، عن أبي موسى قال: "إنما سمى القلب لتقلبه … إلخ". أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (١/ ٢٦٣) وتوبع علي بن مسهر. تابعه عبد الله بن المبارك في "الزهد" (٣٥٨)، وعزاه السيوطي في "الجامع الصغير" للطبراني في "الكبير" وصححه قال الشارح المناوي في "فيض القدير" (٣/ ٢): "قال العراقي: إسناده حسن".
(١٠) أخرجه النسائي في "النعوت" (٤/ ٤١٤ - الكبرى)؛ وابن ماجة (١٩٩)؛ وأحمد (٤/ ١٨٢)؛ وابن أبي عاصم في "السنة" (٢١٩ - ٢٣٠)؛ وابن حبان (٢٤١٩ - موارد)؛ والحاكم (٢/ ٢٨٩ و ٤/ ٣٢١)؛ والطبراني في "الدعاء" (١٢٦٢)؛ والآجري في "الشريعة" (ص ٣١٧) من طريق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، سمعت بسر بن عبيد الله، قال: سمعت أبا إدريس الخولاني يقول: حدثني النواس بن سمعان مرفوعًا: "ما من قلب إلا بين إصبعين من أصابع الرحمن، إن شاء أقامه وإن شاء أزاغه" وكان رسول الله يقول: "يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك" قال: "والميزان بيد الرحمن يرفع أقوامًا ويخفض آخرين إلى يوم القيامة".
قال البوصيري في "الزوائد" (٨٧/ ١): "هذا إسناد صحيح" ونقل المناوي في "فيض القدير" (٥/ ٤٩٣) عن العراقي أنه قال: "إسناده جيد" وللحديث شواهد عن جماعة من الصحابة يأتي تخريجها إن شاء الله تعالى في تفسير سورة الأنفال الآية [٢٤].
(١١) ساقط من (ز).