للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾؛ أي: هو غني عن العباد وعبادتهم كريم؛ أي: كريم في نفسه وإن لم يعبده أحد فإن عظمته ليست مفتقرة إلى أحد، وهذا كما قال موسى: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ [إبراهيم: ٨].

وفي صحيح مسلم: "يقول الله تعالى: يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا. يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئًا. يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه" (١).

﴿قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (٤١) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (٤٢) وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (٤٣) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٤٤)﴾.

لما جيء سليمان بعرش بلقيس قبل قدومها أمر به أن يغير بعض صفاته ليختبر معرفتها وثباتها عند رؤيته هل تقدم على أنه عرشها أو أنه ليس بعرشها فقال: ﴿قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ﴾.

قال ابن عباس: نزع منه فصوصه ومرافقه (٢).

وقال مجاهد: أمر به فغير ما كان فيه أحمر جُعل أصفر، وما كان أصفر جُعل أحمر، وما كان أخضر جُعل أحمر غير كل شيء عن حاله (٣).

وقال عكرمة زادوا فيه ونقصوا (٤).

وقال قتادة: جعل أسفله أعلاه ومقدمه مؤخره وزادوا فيه ونقصوا (٥).

﴿فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ﴾؛ أي: عرض عليها عرشها وقد غُيِّر ونُكِّر وزِيدَ فيه ونقص منه فكان فيها ثبات وعقل، ولها لب ودهاء وحزم، فلم تقدم على أنه هو لبعد مسافته عنها ولا أنه غيره لما رأت من آثاره وصفاته وإن غير وبدل ونكر فقالت: ﴿كَأَنَّهُ هُوَ﴾؛ أي: يشبهه ويقاربه. وهذا غاية في الذكاء والحزم.

وقوله: ﴿وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ﴾ قال مجاهد: يقوله سليمان (٦).

وقوله تعالى: ﴿وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (٤٣)﴾ هذا من تمام كلام


(١) تقدم تخريجه في تفسير سورة إبراهيم آية ٨.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق الحكم بن عتيبة عن مجاهد.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم بسند ضعيف من طريق أبي سعد عن عكرمة.
(٥) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح من طريق معمر عن قتادة.
(٦) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.