للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سليمان في قول مجاهد وسعيد بن جبير رحمهما الله؛ أي: قال سليمان: ﴿وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ﴾ (١) وهي كانت قد صدها؛ أي: منعها من عبادة الله وحده ﴿مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ﴾ وهذا الذي قاله مجاهد وسعيد: حسنٌ وقاله ابن جرير أيضًا.

ثم قال ابن جرير: ويحتمل أن يكون في قوله: ﴿وَصَدَّهَا﴾ ضمير يعود إلى سليمان أو إلى الله ﷿ تقديره ومنعها ﴿مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾؛ أي: صدها عن عبادة غير الله ﴿إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ﴾ (٢).

قلت: ويؤيد قول مجاهد أنها إنما أظهرت الإسلام بعد دخولها إلى الصرح كما سيأتي.

وقوله: ﴿قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا﴾ وذلك أن سليمان أمر الشياطين فبنوا لها قصرًا عظيمًا من قوارير؛ أي: من زجاج، وأجري تحته الماء فالذي لا يعرف أمره يحسب أنه ماء ولكن الزجاج يحول بين الماشي وبينه.

واختلفوا في السبب الذي دعا سليمان إلى اتخاذه فقيل: إنه لما عزم على تزوجها واصطفائها لنفسه، ذكر له جمالها وحسنها لكن في ساقيها هلب (٣) عظيم ومؤخر أقدامها كمؤخر الدابة. فساءه ذلك فاتخذ هذا ليعلم صحته أم لا؟ هكذا قول محمد بن كعب القرظي وغيره.

فلما دخلت وكشفت عن ساقيها رأى أحسن الناس ساقًا وأحسنهم قدمًا ولكن رأى على رجليها شعرًا لأنها ملكة وليس لها زوج فأحب أن يذهب ذلك عنها فقيل لها: الموسى فقالت: لا أستطيع ذلك. وكره سليمان ذلك وقال للجن: اصنعوا شيئًا غير الموسى يذهب بهذا الشعر فصنعوا له النورة. وكان أول من اتخذت له النورة (٤)، قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة ومحمد بن كعب القرظي والسدي وابن جريج وغيرهم (٥).

وقال محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان ثم قال لها: ادخلي الصرح. ليريها ملكًا هو أعزُّ من ملكها وسلطانًا هو أعظم من سلطانا، فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها لا تشك أنه ماء تخوضه، فقيل لها: إنه صرح ممرد من قوارير، فلما وقفت على سليمان دعاها إلى عبادة الله وحده، وعاتبها في عبادة الشمس من دون الله (٦).

وقال الحسن البصري: لما رأت العلجة الصرح عرفت والله أن قد رأت ملكًا أعظم من ملكها.

وقال محمد بن إسحاق، عن بعض أهل العلم عن وهب بن منبه قال: أمر سليمان بالصرح وقد عملته له الشياطين من زجاج كأنه الماء بياضًا ثم أرسل الماء تحته ثم وضع له فيه سريره


(١) قول مجاهد تقدم في الرواية السابقة وقول سعيد بن جبير ذكره ابن أبي حاتم بحذف السند.
(٢) ذكره الطبري بنحوه.
(٣) الهُلْبُ: ما غَلُظَ وصَلُب من الشَّعر.
(٤) النورة: هو حجر يحرق يحلق به شعر العانة.
(٥) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند حسن من طريق سعيد بن جبير عنه، وقول مجاهد أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن من طريق عطاء بن السائب عنه، وقول السدي أخرجه ابن أبي حاتم بسند جيد من طريق إسباط عنه، وقول محمد بن كعب أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق أبي معشر عنه.
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق به.