للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فجلس عليه وعكفت عليه الطير والجن والإنس ثم قال لها: ادخلي الصرح. ليريها ملكًا هو أعز من ملكها وسلطانًا هو أعظم من سلطانها ﴿فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا﴾ لا تشك أنه ماء تخوضه، قيل لها: ﴿إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ﴾ (١).

فلما وقفت على سليمان دعاها إلى عبادة الله ﷿ وحده وعاتبها في عبادتها الشمس من دون الله فقالت بقول الزنادقة، فوقع سليمان ساجدًا إعظامًا لما قالت وسجد معه الناس فسقط في يديها حين رأت سليمان صنع ما صنع، فلما رفع سليمان رأسه قال: ويحك ماذا قلت؟ قالت: أُنسيت ما قالت، فقالت: ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ فأسلمت وحسن إسلامها (٢). وقد روى الإمام أبو بكر بن أبي شيبة في هذا أثرًا غريبًا عن ابن عباس فقال: حدثنا الحسين بن علي عن زائدة، حدثني عطاء بن السائب، حدثنا مجاهد ونحن في الأزد قال: حدثنا ابن عباس قال: كان سليمان يجلس على سريره ثم توضع كراسي حوله فيجلس عليها الإنس ثم يجلس الجن ثم الشياطين ثم تأتي الريح فترفعهم ثم تظلهم الطير ثم يغدون قدر ما يشتهي الراكب أن ينزل شهرًا ورواحها شهرٌ، قال فبينما هو ذات يوم في مسير له إذ تفقد الطير ففقد الهدهد فقال: ﴿مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (٢٠) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (٢١)[النمل] قال: وكان عذابه إياه أن ينتفه ثم يلقيه في الأرض فلا يمتنع من نملة ولا من شيء من هوام الأرض.

قال عطاء وذكر سعيد بن جبير، عن ابن عباس مثل حديث مجاهد: ﴿فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ﴾ [النمل: ٢٢] فقرأ حتى انتهى إلى قوله: ﴿سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٢٧) اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا﴾ [النمل: ٢٧، ٢٨] وكتب بسم الله الرحمن الرحيم، إلى بلقيس ﴿أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣١)[النمل] فلما ألقى الهدهد الكتاب إليها ألقي في روعها أنه كتاب كريم وأنه من سليمان وأن لا تعلوا علي وائتوني مسلمين، قالوا: نحن أولوا قوة قالت: إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون، فلما جاءت الهدية سليمان قال: أتمدونني بمال ارجع إليهم فلما نظر إلى الغبار أخبرنا ابن عباس قال وكان بين سليمان وبين ملكة سبأ ومن معها حين نظر إلى الغبار كما بيننا وبين الحيرة، قال عطاء ومجاهد حينئذٍ في الأزد.

قال سليمان: أيكم يأتيني بعرشها؟ قال: وبين عرشها وبين سليمان حين نظر إلى الغبار مسيرة شهرين ﴿قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ﴾ [النمل: ٣٩] قال: وكان لسليمان مجلس يجلس فيه للناس كما يجلس الأمراء ثم يقوم. فقال: ﴿أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ﴾ [النمل: ٣٩] قال سليمان: أريد أعجل من ذلك، فقال الذي عنده علم من الكتاب أنا أنظر في كتاب ربي ثم آتيك به قبل أن يرتدَّ إليك طرفك قال فنظر إليه سليمان فلما قطع كلامه ردَّ سليمان بصره، فنبع عرشها من تحت قدم سليمان من تحت كرسي كان سليمان يضع عليه رجله ثم يصعد إلى السرير، قال: فلما رأى سليمان عرشها قال: ﴿هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي﴾ [النمل: ٤٠]، ﴿قَالَ نَكِّرُوا لَهَا


(١) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق ابن إسحاق به.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم وهو تتمة لقبل الأثر السابق.