للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سليم الهجيمي قال: أتيت رسول الله -وهو مُحتَبٍ بشملة، وقد وقع هدبها على قدميه فقلت: أيكم محمد رسول الله؟ فأومأ بيده إلى نفسه، فقلت: يا رسول الله أنا من أهل البادية وفيّ جفاؤهم فأوصني، قال: "لا تحقرن من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك ووجهك منبسط، ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستقي، وإن امرؤ شتمك بما يعلم فيك، فلا تشتمه بما تعلم فيه فإنه يكون لك أجره وعليه وزره، وإياك وإسبال الإزار، فإن إسبال الإزار من المخيلة، وإن الله لا يحب المخيلة، ولا تسبن أحدًا" قال: فما سببت بعده أحدًا ولا شاة ولا بعيرا (١). وقد روى أبو داود والنسائي لهذا الحديث طرقًا وعندهما طرف صالح منه (٢).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا علي بن هاشم، حدثنا عبدة بن نوح، عن عمر بن الحجاج، عن عبيد الله بن أبي صالح قال: دخل عليَّ طاوس يعودني فقلت له: ادعُ الله لي يا أبا عبد الرحمن، فقال: ادع لنفسك فإنه يجيب المضطر إذا دعاه (٣).

وقال وهب بن منبه: قرأت في الكتاب الأول أن الله تعالى يقول: بعزتي إنه من اعتصم بي فإن كادته السموات بمن فيهن، والأرضون بمن فيهن، فإني أجعل له من بين ذلك مخرجًا ومن لم يعتصم بي فإني أخسف به من تحت قدميه الأرض فأجعله في الهواء فأكله إلى نفسه (٤).

وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة رجل حكى عنه أبو بكر محمد بن داود الدينوري المعروف بالدقي الصوفي قال هذا الرجل: كنت أكاري على بغل لي من دمشق إلى بلد الزبداني فركب معي ذات مرة رجل فمررنا على بعض الطريق على طريق غير مسلوكة فقال لي: خذ في هذه فإنها أقرب، فقلت: لا خبرة لي فيها، فقال: بل هي أقرب، فسلكناها فانتهينا إلى مكان وعر ووادٍ عميق وفيه قتلى كثيرة فقال لي: أمسك رأس البغل حتى أنزل، فنزل وتشمر وجمع عليه ثيابه وسل سكينًا معه وقصدني، ففررت من بين يديه وتبعني، فناشدته الله وقلت: خذ البغل بما عليه، فقال هو لي: وإنما أريد قتلك، فخوفته الله والعقوبة فلم يقبل، فاستسلمت بين يديه وقلت: إن رأيت أن تتركني حتى أصلي ركعتين فقال: عجِّل، فقمت أصلي فأرتج علي القرآن فلم يحضرني منه حرف واحد، فبقيت واقفًا متحيرًا وهو يقول: هيه افرغ، فأجرى الله على لساني قوله تعالى: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ فإذا أنا بفارس قد أقبل من فم الوادي وبيده حربة فرمى بها الرجل فما أخطأت فؤاده فخر صريعًا، فتعلقت بالفارس وقلت: بالله من أنت؟ فقال: أنا رسول الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء. قال: فأخذت البغل والحمل ورجعت سالمًا.

وذكر في ترجمة فاطمة بنت الحسن أُم أحمد العجيلة قالت: هزم الكفار يومًا المسلمين في


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٣٤/ ٢٨٢٣٧ ح ٢٠٦٣٥)، وصححه محققوه بالمتابعة.
(٢) سنن أبي داود، اللباس، باب ما جاء في إسبال الإزار (ح ٤٠٨٤)، والسنن الكبرى للنسائي، الزينة (ح ٩٦٩١)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ٣٤٤٢).
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وفي سنده عبدة بن نوح ذكره ابن أبي حاتم وسكت عنه (الجرح والتعديل ٦/ ٩٠).
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق عبد الصمد بن معقل عن وهب بن منبه.