أي هو الذي بقدرته وسلطانه يبدأ الخلق ثم يعيده كما قال تعالى في الآية الأخرى: ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (١٢) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣)﴾ [البروج]، وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم: ٢٧].
﴿وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾؛ أي: بما ينزل من مطر السماء وينبت من بركات الأرض كما قال تعالى: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (١٢)﴾ [الطارق]، وقال تعالى: ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا﴾ [الحديد: ٤]، فهو ﵎ ينزل من السماء ماءً مباركًا فيسكنه في الأرض، ثم يخرج به منها أنواع الزروع والثمار والأزاهير وغير ذلك من ألوان شتى ﴿كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (٥٤)﴾ [طه]، ولهذا قال تعالى: ﴿أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ﴾؛ أي: فعل هذا وعلى القول الآخر بعد هذا ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾ على صحة ما تدعونه من عبادة آلهة أخرى ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ في ذلك وقد علم أنه لا حجة لهم ولا برهان كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (١١٧)﴾ [المؤمنون].
يقول تعالى آمرًا رسوله ﷺ أن يقول معلمًا لجميع الخلق أنه لا يعلم أحد من أهل السموات والأرض الغيب إلا الله.
وقوله تعالى: ﴿إِلَّا اللَّهُ﴾ استثناء منقطع، أي: لا يعلم أحد ذلك إلا الله ﷿ فإنه المنفرد بذلك وحده لا شريك له كما قال تعالى: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ﴾ [الأنعام: ٥٩] الآية، وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (٣٤)﴾ [لقمان]، والآيات في هذا كثيرة.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾؛ أي: وما يشعر الخلائق الساكنون في السموات والأرض بوقت الساعة كما قال تعالى: ﴿ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً﴾ [الأعراف: ١٨٧] أي: ثقل علمها على أهل السموات والأرض.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا علي بن الجعد، حدثنا أبو جعفر الرازي، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة ﵂، قالت: من زعم أنه يعلم -يعني النبي ﷺ- ما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية لأن الله تعالى يقول: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾.