للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: ﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا﴾ عائد على الجنس، والمراد الكافرون، كما قال تعالى: ﴿وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (٤٨)[الكهف]؛ أي: الكافرون منكم. وهكذا قال ههنا: ﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا﴾؛ أي: شاكون في وجودها ووقوعها ﴿بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ﴾؛ أي: في عماية وجهل كبير في أمرها وشأنها.

﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (٦٧) لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٦٩) وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (٧٠)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن منكري البعث من المشركين: إنهم استبعدوا إعادة الأجساد بعد صيرورتها عظمًا ورفاتًا وترابًا،

ثم قال: ﴿لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ﴾؛ أي: ما زلنا نسمع بهذا نحن وآباؤنا ولا نرى له حقيقة ولا وقوعًا.

وقولهم: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ يعنون: ما هذا الوعد بإعادة الأبدان ﴿إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾؛ أي: أخذه قوم عمَّن قبلهم من كتب يتلقاه بعض عن بعض وليس له حقيقة،

قال الله تعالى مجيبًا لهم عما ظنوه من الكفر وعدم المعاد: ﴿قُلْ﴾ يا محمد لهؤلاء ﴿سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ﴾؛ أي: المكذبين بالرسل وبما جاؤوهم به من أمر المعاد وغيره كيف حلَّت بهم نقمة الله وعذابه ونكاله ونجى الله من بينهم رسله الكرام ومن اتبعهم من المؤمنين، فدلَّ ذلك على صدق ما جاءت به الرسل وصحته.

ثم قال تعالى مسليًا لنبيه : ﴿وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾؛ أي: المكذبين بما جئت به ولا تأسف عليهم وتذهب نفسك عليهم حسرات ﴿وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾؛ أي: في كيدك، ورد ما جئت به فإن الله مؤيدك وناصرك ومظهر دينك على من خالفه وعانده في المشارق والمغارب.

﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٧١) قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (٧٢) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (٧٣) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (٧٤) وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٧٥)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن المشركين في سؤالهم عن يوم القيامة واستبعادهم وقوع ذلك ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٧١)﴾؟ قال الله تعالى مجيبًا لهم: ﴿قُلْ﴾ يا محمد ﴿عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ﴾ [قال ابن عباس: أن يكون قرب أو أن يقرب لكم (١) بعض الذي تستعجلون] (٢)، وهكذا قال مجاهد والضحاك وعطاء الخراساني وقتادة والسدي (٣)، وهذا هو المراد بقوله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا﴾ [الإسراء: ٥١]، وقال تعالى:


(١) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
(٢) زيادة من (ح) و (حم).
(٣) قول مجاهد أخرجه آدم والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وبقية الأقوال ذكرها ابن أبي حاتم بحذف السند.