للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(فيترك) (١) ماله وولده وأرضه رغبةً فيما عند الله في الدار الآخرة.

قال محمد بن إسحاق (٢): حدثني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨)﴾ يعني: المنافقين من الأوس والخزرج، ومن كان على أمرهم.

وكذا فسرها بالمنافقين (من الأوس والخزرج) (٣) أبو العالية والحسن، وقتادة، والسدي؛ ولهذا نبه الله سبحانه على صفات المنافقين لئلا يغتر بظاهر أمرهم المؤمنون، فيقع بذلك فساد عريض من عدم الاحتراز منهم، ومن اعتقاد إيمانهم، وهم كفار في نفس الأمر؛ وهذا من المحذورات الكبار أن يظن بأهل الفجور خير؛ فقال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨)﴾ أي: يقولون ذلك قولًا ليس وراءه شيء آخر كما قال (تعالى) (٤): ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ (وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ) (٥)[المنافقون: ١] أي: إنما يقولون ذلك إذا جاءوك فقط لا في نفس الأمر؛ ولهذا يؤكدون في الشهادة بـ"إن" ولام التأكيد في خبرها، كما أكدوا (قولهم) (٦): قالوا: ﴿آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ وليس الأمر كذلك، كما (أكذبهم) (٧) الله في شهادتهم، وفي خبرهم هذا بالنسبة إلى اعتقادهم بقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ [المنافقون: ١] وبقوله: ﴿وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾.

وقوله تعالى: ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ أي: بظهارهم ما أظهروه من الإيمان مع إسرارهم الكفر، يعتقدون بجهلهم أنهم يخدعون الله بذلك، وأن ذلك نافعهم عنده، وأنه يروج عليه، كما قد يروج على بعض المؤمنين، كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ (١٨)[المجادلة: ١٨].

ولهذا قابلهم على اعتقادهم ذلك بقوله: ﴿وَمَا (يَخْدَعُونَ) (٨) إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾.

(٩) [يقول: وما يغرون بصنيعهم هذا، ولا يخدعون إلا أنفسهم، وما يشعرون] (٩) بذلك من أنفسهم؛ كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ [النساء: ١٤٢] ومن (١٠) القراء من قرأ ﴿وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾ وكلتا القراءتين ترجع إلى معنًى واحد.

قال ابن جرير (١١): فإن قال قائل: كيف يكون المنافق لله وللمؤمنين مخادعًا، وهو لا يظهر


(١) في (ز): "ويترك".
(٢) أخرجه ابن إسحاق، كما في "الدر المنثور" (١/ ٢٩)، ومن طريقه ابن جرير (٣١٢)؛ وابن أبي حاتم (١٠٤). [وسنده حسن].
(٣) ساقط من (ي).
(٤) من (ز) و (ن).
(٥) من (ن).
(٦) في (ن): "أمرهم".
(٧) في (ن): "كذبهم".
(٨) في في (ز) و (ل) و (ن) و (هـ) ووقع في (ج) و (ع) و (ك) و (ي): "يخادعون" وهي قراءة نافع، وابن كثير، وأبي عمرو بن العلاء.
(٩) ساقط من سياق (ج)، واستدركته من الحاشية.
(١٠) وهم بقية السبعة دون من سميتهم آنفًا.
(١١) في "تفسيره" (١/ ٢٧٣ - شاكر).