للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بلسانه خلاف ما هو له معتقد إلا تقيةً؟ قيل: لا تمنع العرب أن تسمي من أعطى بلسانه غير الذي في ضميره تقية لينجو مما هو له خائف مخادعًا، فكذلك المنافق سمي مخادعًا للّه وللمؤمنين بإظهار ما ظهره بلسانه تقية بما يخلص به من القتل (والسباء) (١) والعذاب العاجل، وهو لغير ما أظهره مستبطن؛ وذلك من فعله فين كان خداعًا للمؤمنين في عاجل الدنيا، فهو لنفسه بذلك من فعله خادع؛ لأنَّهُ يظهر لها بفعله ذلك بها أنه يعطيها أمنيتها، ويسقيها كأس سرورها، وهو (مُوردها) (٢) حياض عطبها، ومجرعها به كأس عذابها، (ومُزيرها) (٣) من غضب الله وأليم عقابه ما لا قبل لها به؛ فذلك خديعته نفسه ظنًّا منه، مع إساءته إليها في أمر معادها، أنه إليها محسن؛ كما قال تعالى: ﴿وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ إعلامًا منه عباده المؤمنين أن المنافقين بإساءتهم إلى أنفسهم، في إسخاطهم عليها ربهم، بكفرهم وشكهم وتكذيبهم غير شاعرين ولا دارين، ولكنهم على (عمياء) (٤) من أمرهم مقيمون.

ومقال ابن أبي (٥) حاتم: أنبأنا علي بن المبارك فيما كتب إلي، حَدَّثَنَا زيد بن المبارك، حَدَّثَنَا محمد بن ثور، عن ابن جريج - في قوله تعالى: ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ﴾ - قال: يظهرون لا إله إلا الله، يريدون أن يحرزوا بذلك دماءهم وأموالهم، وفي أنفسهم غير ذلك.

وقال سعيد (٦)، عن قتادة: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (٩)﴾ نعت المنافق عند كثير: خنع الأخلاق، يصدق بلسانه، وينكر بقلبه، ويخالف بعمله، يصبح على حال، ويمسي على غيره، ويمسي على حال، ويصبح على غيره، ويتكفأ تكفأ السفينة كلما هبت ريح (هب) (٧) معها.

﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (١٠)﴾.

قال السدي (٨)، عن أبي مالك؛ وعن أبي صالح، عن ابن عباس؛ وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود؛ وعن أناس من أصحاب (النَّبِيّ) (٩) في هذه الآية: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ قال: شكَّ، ﴿فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا﴾ قال: شكًّا.

وقال ابن إسحاق (١٠)، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ - قال: شكّ.


(١) في (ك) و (ن): "السبي".
(٢) في "تفسير ابن جرير": "موردها به".
(٣) في (ك): "يزيدها" وفي "ابن جرير": "مذيقها" وأثبت الشيخ محمود شاكر حفظه الله ما أثبته هنا عن هذا الموضع وأزاره: يعني حمله على الزيارة، وهذا من باب السخرية بهم.
(٤) في (ن): "عمي".
(٥) في "تفسيره" (١٠٧) وسنده جيد.
(٦) هو سعيد بن أبي عروبة، والخبر أخرجه ابن أبي حاتم (١٠٨) من طريق يزيد بن زريع، ثنا ابن أبي عروبة. وسنده صحيح.
(٧) في (ن): "هبت"، ووقع كذلك عند "ابن أبي حاتم"، وهو خطأ فإن هذا الفعل عائد على "المنافق" والله أعلم.
(٨) أخرجه ابن جرير (٣٢٤) [وسنده ضعيف].
(٩) في (ن) و (هـ): "رسول الله".
(١٠) أخرجه ابن إسحاق ومن طريقه ابن جرير (٣٢٢)؛ وابن أبي حاتم (١١٢، ١١٤) [وسنده حسن].