للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لا يفهمون (١)، فلما سأل ذلك موسى قال الله تعالى: ﴿قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ﴾ أي: سنقوي أمرك، ونعز جانبك بأخيك الذي سألت له أن يكون نبيًا معك، كما قال في الآية الأخرى: ﴿قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَامُوسَى﴾ [طه: ٣٦]، وقال تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا (٥٣)[مريم]، ولهذا قال بعض السلف: ليس أحد أعظم مِنَّة على أخيه من موسى على هارون ، فإنه شفع فيه حتى جعله الله نبيًا ورسولًا معه إلى فرعون وملئه، ولهذا قال تعالى في حق موسى ﴿وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا﴾ [الأحزاب: ٦٩].

وقوله تعالى: ﴿وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا﴾ أي: حجة قاهرة ﴿فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا﴾ أي: لا سبيل لهم إلى الوصول إلى أذاكما بسبب إبلاغكما آيات الله، كما قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ [المائدة: ٦٧]، وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (٣٩)[الأحزاب]؛ أي: وكفى بالله ناصرًا ومعينًا ومؤيدًا، ولهذا أخبرهما أن العاقبة لهما ولمن اتبعهما في الدنيا والآخرة، فقال تعالى: ﴿أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ﴾، كما قال تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢١)[المجادلة]، وقال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (٥١) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٥٢)[غافر].

ووجَّه ابن جرير على أن المعنى: ونجعل لكما سلطانًا فلا يصلون إليكما، ثم يبتدئ فيقول: ﴿أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ﴾ تقديره أنتما ومن اتبعكما الغالبون بآياتنا (٢)، ولا شك أن هذا المعنى صحيح، وهو حاصل من التوجيه الأول، فلا حاجة إلى هذا، والله أعلم.

﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (٣٦) وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٣٧)﴾.

يخبر تعالى عن مجيء موسى وأخيه هارون إلى فرعون وملئه وعرضه ما آتاهما الله من المعجزات الباهرة، والدلالة القاهرة على صدقهما فيما أخبرا به عن الله ﷿ من توحيده واتباع أوامره، فلما عاين فرعون وملؤه ذلك وشاهدوه وتحققوه، وأيقنوا أنه من عند الله، عدلوا بكفرهم وبغيهم إلى العناد والمباعتة، وذلك لطغيانهم وتكبرهم عن اتباع الحق فقالوا: ﴿مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى﴾ أي: مفتعل مصنوع، وأرادوا معارضته بالحيلة والجاه فما صعد معهم ذلك.

وقوله: ﴿وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ﴾، يعنون عبادة الله وحده لا شريك له، يقولون: ما رأينا أحدًا من آبائنا على هذا الدين، ولم نرَ الناس إلا يشركون مع الله آلهة أخرى، فقال موسى مجيبًا لهم ﴿رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ﴾، يعني: مني ومنكم، وسيفصل


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق.
(٢) ذكره الطبري بنحوه.