للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال قتادة: من الرعب (١).

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وابن جرير: مما حصل لك من خوفك من الحية (٢)، والظاهر أن المراد أعمُّ من هذا، وهو أنه أمر موسى إذا خاف من شيء أن يضم إليه جناحه من الرهب وهو يده، فإذا فعل ذلك ذهب عنه ما يجده من الخوف، وربما إذا استعمل أحد ذلك على سبيل الاقتداء فوضع يده على فؤاده، فإنه يزول عنه ما يجده أو يخف إن شاء الله تعالى وبه الثقة.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا الربيع بن ثعلب الشيخ الصالح، أخبرنا أبو إسماعيل المؤدب، عن عبد الله بن مسلم، عن مجاهد قال: كان موسى قد ملئ قلبه رعبًا من فرعون، فكان إذا رآه قال: اللَّهم إني أدرأ بك في نحره، وأعوذ بك من شره، فنزع الله ما كان في قلب موسى ، وجعله في قلب فرعون، فكان إذا رآه بال كما يبول الحمار (٣).

وقوله تعالى: ﴿فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ﴾ يعني: إلقاء العصا وجعلها حية تسعى وإدخاله يده في جيبه فتخرج بيضاء من غير سوء، دليلان قاطعان واضحان على قدرة الفاعل المختار، وصحة نبوة من جرى هذا الخارق على يديه، ولهذا قال تعالى: ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ﴾ أي: وقومه من الرؤساء والكبراء والأتباع ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾ أي: خارجين عن طاعة الله، مخالفين لدين الله.

﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (٣٣) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (٣٤) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (٣٥)﴾.

لما أمره الله تعالى بالذهاب إلى فرعون الذي إنما خرج من ديار مصر فرارًا منه وخوفًا من سطوته ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا﴾، يعني: ذلك القبطي ﴿فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ﴾ أي: إذا رأوني ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا﴾ وذلك أن موسى كان في لسانه لثغة بسبب ما كان تناول تلك الجمرة حين خير بينها وبين التمرة أو الدرة، فأخذ الجمرة فوضعها على لسانه، فحصل فيه شدة في التعبير، ولهذا قال: ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (٢٩) هَارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢)[طه]؛ أي: يؤنسني فيما أمرتني به من هذا المقام العظيم، وهو القيام بأعباء النبوة والرسالة إلى هذا الملك المتكبر الجبار العنيد، ولهذا قال: ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا﴾ أي: وزيرًا ومعينًا ومقويًا لأمري، يصدقني فيما أقوله وأخبر به عن الله ﷿، لأن خبر الإثنين أنجع في النفوس من خبر الواحد، ولهذا قال: ﴿إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ﴾.

وقال محمد بن إسحاق: ﴿رِدْءًا يُصَدِّقُنِي﴾ أي: يبين لهم عني ما أكلمهم به، فإنه يفهم عني ما


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق أصبغ عن عبد الرحمن.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه عند الآية (٣٥) من هذه السورة، وسنده ضعيف لضعف عبد الله بن مسلم وهو ابن هرمز المكي كما في التقريب.