للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يمينه من ناحية الغرب، كما قال تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ﴾ [القصص: ٤٤] فهذا مما يرشد إلى أن موسى قصد النار إلى جهة القبلة، والجبل الغربي عن يمينه، والنار وجدها تضطرم في شجرة خضراء في لحف (١) الجبل مما يلي الوادي، فوقف باهتًا في أمرهما، فناداه ربه ﴿مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ﴾.

قال ابن جرير: حدثنا ابن وكيع، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال: رأيت الشجرة التي نودي منها موسى سمرة خضراء ترفُّ (٢)، إسناده مقارب.

وقال محمد بن إسحاق عن بعض من لا يتهم عن وهب بن منبه قال: شجرة من العلِّيق، وبعض أهل الكتاب يقول إنها من العوسج (٣).

[وقال قتادة: هي من العوسج، وعصاه من العوسج] (٤) (٥).

وقوله تعالى: ﴿أَنْ يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ أي: الذي يخاطبك ويكلمك هو رب العالمين الفعال لما يشاء لا إله غيره ولا ربَّ سواه، تعالى وتقدس وتنزه عن مماثلة المخلوقات في ذاته وصفاته وأقواله وأفعاله سبحانه.

وقوله: ﴿وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ﴾ أي: التي في يدك كما قرره على ذلك في قوله تعالى: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى (١٧) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (١٨)[طه]، والمعنى أما هذه عصاك التي تعرفها ألقها ﴿فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (٢٠)[طه] فعرف وتحقق أن الذي يكلمه هو الذي يقول للشيء: كن فيكون، كما تقدم بيان ذلك في سورة طه، وقال ههنا: ﴿فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزّ﴾ أي: تضطرب ﴿كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا﴾ أي: في حركتها السريعة مع عظم خلقتها وقوائمها، واتساع فمها واصطكاك أنيابها وأضراسها، بحيث لا تمر بصخرة إلا ابتلعتها، تنحدر في فيها تتقعقع كأنها حادرة في واد فعند ذلك ﴿وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ﴾ أي: ولم يكن يلتفت لأن طبع البشرية ينفر من ذلك، فلما قال الله له: ﴿يَامُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ﴾ رجع فوقف في مقامه الأول،

ثم قال الله تعالى: ﴿اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ أي: إذا أدخلت يدك في جيب درعك ثم أخرجتها، فإنها تخرج تتلألأ كأنها قطعة قمر في لمعان البرق، ولهذا قال: ﴿مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ أي: من غير [برص] (٦).

وقوله تعالى: ﴿وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ﴾ قال مجاهد: من الفزع (٧).


(١) اللِّحف: أصل الجبل.
(٢) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وفي سنده ابن وكيع وهو سفيان: فيه مقال، وأبو عبيدة لم يسمع من ابن مسعود وقد توبعا فقد أخرجه ابن عساكر من طريق عمرو بن ميمون عن ابن مسعود، (تاريخ دمشق ٦١/ ٤٨).
(٣) أخرجه الطبري في تفسيره وتاريخه (١/ ٤٠١)، وسنده ضعيف لجهاله شيخ ابن إسحاق.
(٤) زيادة من (ح) و (حم).
(٥) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة قال: الشجرة عوسج، قال معمر وقال غير قتادة: عصا موسى من العوسج، والشجرة من العوسج.
(٦) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل صُحفت إلى: "مرض".
(٧) أخرجه آدم بن أبي إياس وابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ: "الفَرَق".