للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

التوراة والقرآن (١)، وكذا قال عاصم [الجحدري] (٢) والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم (٣).

قال السدي: يعني: صدّق كل واحد منهما الآخر.

وقال عكرمة: يعنون: التوراة والإنجيل، وهو رواية عن أبي رزين (٤)، واختاره ابن جرير.

وقال الضحاك وقتادة: الإنجيل والقرآن (٥)، والله أعلم بالصواب، والظاهر على قراءة "سحران" أنهم يعنون: التوراة والقرآن، لأنه قال بعده: ﴿فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ﴾ وكثيرًا ما يقرن الله بين التوراة والقرآن، كما في قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ﴾ إلى أن قال: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ﴾ [الأنعام: ٩١ - ٩٢]، وقال في آخر السورة: ﴿ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ﴾ إلى أن قال: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٥٥)[الأنعام]، قالت الجن: ﴿إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي﴾ [الأحقاف: ٣٠]، وقال ورقة بن نوفل: هذا الناموس الذي أنزل على موسى (٦).

وقد عُلم بالضرورة لذوي الألباب أن الله تعالى لم ينزل كتابًا من السماء فيما أنزل من الكتب المتعددة على أنبيائه أكمل ولا أشمل ولا أفصح ولا أعظم ولا أشرف من الكتاب الذي أنزل على محمد ، وهو القرآن، وبعده في الشرف والعظمة الكتاب الذي أنزله على موسى بن عمران ، وهو الكتاب الذي قال الله فيه: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ﴾ [المائدة: ٤٤]، والإنجيل إنما أنزل متممًا للتوراة، ومحلًا لبعض ما حرم على بني إسرائيل، ولهذا قال تعالى: ﴿قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٤٩)﴾ أي: فيما تدافعون به الحق وتعارضون به من الباطل.

قال اِلله تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ﴾ أي: فإن لم يجيبوك عما قلت لهم، ولم يتبعوا الحق ﴿فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ﴾ أي: بلا دليل ولا حجة ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ﴾ أي: بغير حجة مأخوذة من كتاب الله ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.

وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ﴾ قال مجاهد: فصلنا لهم القول (٧).


(١) كذا في الأصول الخطية وفي تفسير ابن أبي حاتم، والطبري بسند ثابت عن علي به بلفظ: التوراة والفرقان، وأما قول العوفي عن عباس فقد أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند ضعيف بلفظ: "هم أهل الكتاب".
(٢) كذا في تفسير ابن أبي حاتم، وفي النسخ الخطية صحف إلى: "الجندي".
(٣) ذكرهم ابن أبي حاتم بحذف السند، وقول عبد الرحمن أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عنه.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبي رزين.
(٥) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسندين يقوي أحدهما الآخر عن الضحاك.
(٦) أخرجه الشيخان (صحيح البخاري، بدء الوحي، باب كيف بدأ الوحي إلى رسول الله ح ٣، وصحيح مسلم، الإيمان، باب بدء الوحي ح ٢٥٢).
(٧) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق ليث بن أبي سُليم عن مجاهد وليث فيه مقال.