للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أعده الله لعباده الصالحين في الدار الآخرة من النعيم العظيم المقيم، كما قال تعالى: ﴿مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ﴾ [النحل: ٩٦]، وقال: ﴿وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ﴾ [آل عمران: ١٩٨]، وقال: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ﴾ [الرعد: ٢٦]، وقال تعالى: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (١٧)[الأعلى].

وقال رسول الله : "والله ما الحياة الدنيا في الآخرة إلا كما يغمس أحدكم أصبعه في اليم، فلينظر ماذا يرجع إليه" (١).

وقوله تعالى: ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾؟ أي: أفلا يعقل من يقدم الدنيا على الآخرة.

وقوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٦١)﴾ يقول تعالى: أفمن هو مؤمن مصدق بما وعده الله على صالح الأعمال من الثواب الذي هو صائر إليه لا محالة، كمن هو كافر مكذب بلقاء الله ووعده ووعيده، فهو ممتع في الحياة الدنيا أيامًا قلائل: ﴿ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾.

قال مجاهد وقتادة: من المعذبين (٢).

ثم قد قيل: إنها نزلت في رسول الله وفي أبي جهل (٣).

وقيل: في حمزة وعلي وأبي جهل (٤)، وكلاهما عن مجاهد، الظاهر أنها عامة، وهذا كقوله تعالى إخبارًا عن ذلك المؤمن حين أشرف على صاحبه وهو في الدرجات، وذاك في الدركات، فقال: ﴿وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٥٧)[الصافات]، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ﴾ [الصافات: ١٥٨].

﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٦٢) قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ (٦٣) وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ (٦٤) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (٦٥) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ (٦٦) فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (٦٧)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عما يوبخ به الكفار المشركين يوم القيامة حيث يناديهم فيقول: ﴿أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ يعني: أين الآلهة التي كنتم تعبدونها في الدار الدنيا من الأصنام والأنداد، هل ينصرونكم أو ينتصرون؟ وهذا على سبيل التقريع والتهديد، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٩٤)[الأنعام].


(١) تقدم تخريجه في تفسير سورة آل عمران آية ١٨٥.
(٢) قول مجاهد أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول قتادة أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه.
(٣) أخرجه الطبري من طريق أبان بن تغلب عن مجاهد، وهو مرسل.
(٤) ذكره الطبري دون أن ينسبه إلى أحد.