للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تارة أخرى قوله: ﴿لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ بالموت، وتارة بيوم القيامة الذي هو بعد الموت، وتارة بالجنة التي هي جزاؤه ومصيره على أداء رسالة الله وإبلاغها إلى الثقلين: الإنس والجن، ولأنه أكمل خلق الله وأفصح خلق الله وأشرف خلق الله على الإطلاق.

وقوله تعالى: ﴿قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ أي: قل لمن خالفك وكذبك يا محمد من قومك من المشركين ومن تبعهم على كفرهم قل: ربي أعلم بالمهتدي منكم ومني، وستعلمون لمن تكون له عاقبة الدار، ولمن تكون العاقبة والنصرة في الدنيا والآخرة. ثم قال تعالى مذكِّرًا لنبيه نعمته العظيمة عليه وعلى العباد إذ أرسله إليهم

﴿وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ﴾ أي: ما كنت تظن قبل إنزال الوحي إليك أن الوحي ينزل عليك ﴿إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾ أي: إنما أنزل الوحي عليك من الله من رحمته بك وبالعباد بسببك، فإذا منحك بهذه النعمة العظيمة ﴿فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا﴾ أي: معينًا ﴿لِلْكَافِرِينَ﴾، ولكن فارقهم ونابذهم وخالفهم.

﴿وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ﴾ أي: لا تتأثر لمخالفتهم لك وصدهم الناس عن طريقك لا تلوي على ذلك ولا تباله، فإن الله معلٍ كلمتك ومؤيد دينك ومظهر ما أرسلك به على سائر الأديان، ولهذا قال: ﴿وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ﴾ أي: إلى عبادة ربك وحده لا شريك له ﴿وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾.

وقوله: ﴿وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ أي: لا تليق العبادة إلا له، ولا تنبغي الإلهية إلا لعظمته.

وقوله: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ إخبار بأنه الدائم الباقي الحي القيوم، الذي تموت الخلائق ولا يموت، كما قال تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (٢٧)[الرحمن]، فعبر بالوجه عن الذات، وهكذا قوله ههنا: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ أي: إلا إياه.

وقد ثبت في الصحيح من طريق أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "أصدق كلمة قالها الشاعر لبيد:

ألا كل شيء ما خلا الله باطلُ (١)

وقال مجاهد والثوري في قوله: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾: أي: إلا ما أريد به وجهه، وحكاه البخاري في صحيحه كالمقرر له (٢).

قال ابن جرير: ويستشهد من قال ذلك بقول الشاعر:

أستغفر الله ذنبًا لست محصيه … ربّ العباد إليه الوجه والعمل (٣)


(١) صحيح البخاري، مناقب الأنصار، باب أيام الجاهلية (ح ٣٨٤١، وصحيح مسلم، كتاب الشعر ح ٢٢٥٦).
(٢) أخرجه البخاري معلقًا (الصحيح، تفسير سورة القصص قبل حديث ٤٧٧٢)، ووصله ابن أبي حاتم من طريق خُصيف عن مجاهد، وخصيف صدوق سيء الحفظ كما في التقريب، ووصله ابن أبي حاتم أيضًا من طريق عطاء بن مسلم الحلبي عن الثوري، وعطاء هذا: صدوق يخطئ كثيرًا كما في التقريب.
(٣) ذكره الطبري بلفظ: "واستشهدوا لتأويلهم ذلك كذلك بقول الشاعر" … فذكر الشعر.