للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد روي عن ابن عباس غير ذلك، كما قال البخاري في التفسير من صحيحه حدثنا محمد بن مقاتل، أنبأنا يعلى، حدثنا سفيان العصفري، عن عكرمة، عن ابن عباس ﴿لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ قال: إلى مكة (١)، وهكذا رواه النسائي في تفسير سننه (٢)، وابن جرير من حديث يعلى وهو ابن عبيد الطنافسي به، وهكذا رواه العوفي، عن ابن عباس ﴿لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ أي: لرادك إلى مكة كما أخرجك منها (٣).

وقال محمد بن إسحاق، عن مجاهد في قوله: ﴿لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ إلى مولدك بمكة (٤).

وقال ابن أبي حاتم: وقد روي عن ابن عباس ويحيى بن الجراز وسعيد بن جبير وعطية والضحاك نحو ذلك (٥).

وحدثنا أبي، حدثنا ابن أبي عمر قال: قال سفيان فسمعناه من مقاتل منذ سبعين سنة عن الضحاك قال: لما خرج النبي من مكة، فبلغ الجحفة، اشتاق إلى مكة، فأنزل الله عليه ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ إلى مكة (٦). وهذا من كلام الضحاك يقتضي أن هذه الآية مدنية وإن كان مجموع السورة مكيًا، والله أعلم.

وقد قال عبد الرزاق: حدثنا معمر، عن قتادة في قوله تعالى: ﴿لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ قال: هذه مما كان ابن عباس يكتمها (٧).

وقد روى ابن أبي حاتم بسنده عن نعيم القارئ أنه قال في قوله: ﴿لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ قال: إلى بيت المقدس (٨)، وهذا -والله أعلم- يرجع إلى قول من فسر ذلك بيوم القيامة، لأن بيت المقدس هو أرض المحشر والمنشر والله الموفق للصواب.

ووجه الجمع بين هذه الأقوال أن ابن عباس فسر ذلك تارة برجوعه إلى مكة، وهو الفتح الذي هو عند ابن عباس أمارة على اقتراب أجل النبي ، كما فسر ابن عباس سورة ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (٣)[النصر]، أنه أجل رسول الله نُعي إليه، وكان ذلك بحضرة عمر بن الخطاب، ووافقه عمر على ذلك وقال: لا أعلم منها غير الذي تعلم (٩)، ولهذا فسر ابن عباس


(١) أخرجه البخاري بسنده ومتنه (الصحيح، التفسير، سورة القصص باب ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ﴾ [القصص: ٨٥] الآية ح ٤٧٧٣).
(٢) السنن الكبرى، التفسير (ح ١١٣٨٦)، وسنده صحيح.
(٣) أخرجه الطبري من الطريقين والأول يقوي الثاني وهو طريق عطية العوفي.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق ابن إسحاق به، وسنده ضعيف لأن ابن إسحاق لم يسمع من مجاهد، ولم يصرح بالسماع منه، ويتقوى بما سبق.
(٥) ذكرهم ابن أبي حاتم بحذف السند، ويشهد لهم ما تقدم في الصحيح.
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده ضعيف لأنه معضل.
(٧) أخرجه عبد الرزاق بسنده ومتنه، وسنده صحيح إلى قتادة ولكن ابن عباس صرح بتفسيرها إنه إلى مكة كما تقدم في الرواية السابقة في صحيح البخاري، فلعل قتادة لم يبلغه تفسير ابن عباس .
(٨) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق حُريز بن عثمان عن نعيم القارئ.
(٩) سيأتي تخريجه في تفسير سورة النصر.