للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لا أطعم طعامًا ولا أشرب شرابًا حتى أموت أو تكفر، قال: فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها شجروا فاها، فنزلت: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا﴾ الآية (١)، وهذا الحديث رواه الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي أيضًا (٢). وقال الترمذي: حسن صحيح.

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (١٠) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (١١)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن صفات قوم من المكذبين الذي يدَّعون الإيمان بألسنتهم ولم يثبت الإيمان في قلوبهم، بأنهم إذا جاءتهم محنة وفتنة في الدنيا اعتقدوا أن هذا من نقمة الله تعالى بهم، فارتدُّوا عن الإسلام، ولهذا قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ﴾.

قال ابن عباس: يعني فتنته أن يرتدَّ عن دينه إذا أوذي في الله (٣)، وكذا قال غيره من علماء السلف (٤)، وهذه الآية كقوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (١١)[الحج].

ثم قال ﷿: ﴿وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ﴾ أي: ولئن جاء نصر قريب من ربك يا محمد، وفتح ومغانم، ليقولن هؤلاء لكم: إنا كنا معكم؛ أي: إخوانكم في الدين، كما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النساء: ١٤١]، وقال تعالى: ﴿فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ﴾ [المائدة: ٥٢] وقال تعالى مخبرًا عنهم ههنا: ﴿وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ﴾ ثم قال الله تعالى: ﴿أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ﴾ أي: أو ليس الله بأعلم بما في قلوبهم وما تكنُّه ضمائرهم، وإن أظهروا لكم الموافقة.

وقوله تعالى: ﴿وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (١١)﴾ أي: وليختبرن الله الناس بالضراء والسراء، ليتميز هؤلاء من هؤلاء، من يطيع الله في الضراء والسراء، ومن إنما يطيعه في حظ نفسه، كما قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (٣١)


(١) أخرجه الترمذي بسنده ومتنه وتعليقه (السنن، التفسير، باب ومن سورة العنكبوت ح ٣١٨٩)، وسنده صحيح.
(٢) المسند ١/ ١٨١، وصحيح مسلم، الجهاد والسير، باب الانفال (ح ١٧٤٨/ ٣٤)، وهو طرف من حديث أطول من المذكور، وليس فيه المتن المذكور، وأخرجه أبو داود، السنن، الجهاد، باب في النفل (ح ٢٧٤٠)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ٢٣٧٨)، ولفظه كلفظ مسلم.
(٣) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند ضعيف من طريق العوفي عن ابن عباس، ويشهد له ما يليه.
(٤) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق آدم بن أبي نجيح عن مجاهد، وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.