للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أصحاب الظلامات، فيقول: اقضوا عن عبدي، فيقولون: لم يبق له حسنة، فيقول خذوا من سيئاتهم فاحملوها عليه" ثم نزع النبي بهذه الآية الكريمة: ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (١٣)(١). وهذا الحديث له شاهد في الصحيح من غير هذا الوجه: "إن الرجل ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال وقد ظلم هذا، وأخذ من مال هذا، وأخذ من عرض هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإذا لم تبق له حسنة، أخذ من سيئاتهم فطرح عليه".

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن أبي الحواري، حدثنا أبو بشر الحذاء، عن أبي حمزة الثمالي، عن معاذ بن جبل قال: قال لي رسول الله : "يا معاذ إن المؤمن يسأل يوم القيامة عن جميع سعيه حتى عن كحل عينيه وعن فتات الطينة بإصبعيه، فلا ألفينَّك تأتي يوم القيامة وأَحدٌ أسعدُ بما آتاك الله منك" (٢).

﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (١٤) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (١٥)﴾.

هذه تسلية من الله تعالى لعبده ورسوله محمد ، يخبره عن نوح أنه مكث في قومه هذه المدة يدعوهم إلى الله تعالى ليلًا ونهارًا، وسرًا وجهارًا، ومع هذا ما زادهم ذلك إلا فرارًا عن الحق وإعراضًا عنه وتكذيبًا له، وما آمن معه منهم إلا قليل، ولهذا قال تعالى: ﴿فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ﴾ أي: بعد هذه المدة الطويلة ما نجع فيهم البلاغ والإنذار، فأنتَ يا محمد لا تأسف على من كفر بك من قومك ولا تحزن عليهم، فإن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وبيده الأمر، وإليه ترجع الأمور ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٩٧)[يونس]، واعلم أن الله سيظهرك وينصرك ويؤيدك، ويذل عدوك ويكبتهم، ويجعلهم أسفل السافلين.

قال حماد بن سلمة: عن علي بن زيد، عن يوسف بن ماهك، عن ابن عباس قال: بعث نوح وهو لأربعين سنة، ولبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، وعاش بعد الطوفان ستين عامًا حتى كثر الناس وفشوا (٣).

وقال قتادة: يقال: إن عمره كله ألف سنة إلا خمسين عامًا لبث فيهم قبل أن يدعوهم ثلاثمائة سنة، ودعاهم ثلاثمائة سنة، ولبث بعد الطوفان ثلاثمائة سنة وخمسين عامًا، وهذا قول غريب، وظاهر السياق من الآية أنه مكث في قومه يدعوهم إلى الله ألف سنة إلا خمسين عامًا.


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده ضعيف لضعف عثمان أبو حفص بن أبي العاتكة (ينظر تهذيب التهذيب ٧/ ١٢٤).
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده ضعيف لضعف أبي حمزة الثمالي واسمه: ثابت بن أبي صفية (التقريب ص ١٣٢).
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم والحاكم كلاهما من طريق حماد بن سلمة به، وسكت عنه الحاكم والذهبي (المستدرك ٢/ ٥٤٥)، وسنده ضعيف لضعف علي بن زيد وهو ابن جدعان.