للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال عون بن أبي شداد: إن الله تعالى أرسل نوحًا إلى قومه وهو ابن خمسين وثلاثمائة سنة، فدعاهم ألف سنة إلا خمسين عامًا، ثم عاش بعد ذلك ثلاثمائة وخمسين سنة، وهذا أيضًا غريب، رواه ابن أبي حاتم وابن جرير (١). وقول ابن عباس أقرب، والله أعلم.

وقال الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن مجاهد قال: قال لي ابن عمر: كم لبث نوح في قومه؟ قال: قلت ألف سنة إلا خمسين عامًا، قال: فإن الناس لم يزالوا في نقصان من أعمارهم وأحلامهم وأخلاقهم إلى يومك هذا (٢).

وقوله تعالى: ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ﴾ أي: الذين آمنوا بنوح ، وقد تقدم ذكر ذلك مفصلًا في سورة هود، وتقدم تفسيره بما أغنى عن إعادته.

وقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ أي: وجعلنا تلك السفينة باقية إما عينها، كما قال قتادة: إنها بقيت إلى أول الإسلام على جبل الجودي أو نوعها جعله للناس تذكرة لنعمه على الخلق كيف أنجاهم من الطوفان، كما قال تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (٤١) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (٤٢) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (٤٣) إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (٤٤)[يس] وقال تعالى: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (١١) لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (١٢)[الحاقة] وقال ههنا: ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (١٥)﴾ وهذا من باب التدريج من الشخص إلى الجنس، كقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ﴾ [الملك: ٥] أي: وجعلنا نوعها رجومًا فإن التي يرمى بها ليست هي زينة للسماء، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣)[المؤمنون]، ولهذا نظائر كثيرة.

وقال ابن جرير: لو قيل إن الضمير في قوله: ﴿وَجَعَلْنَاهَا﴾ عائد إلى العقوبة لكان وجهًا، والله أعلم.

﴿وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٦) إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١٧) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (١٨)﴾.

يخبر تعالى عن عبده ورسوله وخليله إبراهيم إمام الحنفاء، أنه دعا قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له والإخلاص له في التقوى وطلب الرزق منه وحده لا شريك له، وتوحيده في الشكر، فإنه المشكور على النعم لا مسدي لها غيره، فقال لقومه: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ﴾ أي: أخلصوا له العبادة والخوف ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أي: إذا فعلتم ذلك حصل لكم الخير في الدنيا والآخرة، واندفع عنكم الشر في الدنيا والآخرة،

ثم أخبر تعالى أن الأصنام التي


(١) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن من طريق نوح بن قيس عن عون بن أبي شداد.
(٢) سنده صحيح.