للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يعبدونها لا تضر ولا تنفع، وإنما اختلقتم أنتم لها أسماء فسميتموها آلهة وإنما هي مخلوقة مثلكم، هكذا رواه العوفي عن ابن عباس (١)، وبه قال مجاهد (٢) والسدي.

وروى الوالبي، عن ابن عباس: وتصنعون إفكًا (٣)؛ أي: تنحتونها أصنامًا، وبه قال مجاهد في رواية (٤)، وعكرمة والحسن وقتادة وغيرهم (٥)، واختاره ابن جرير .

وهي لا تملك لكم رزقًا ﴿فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ﴾ وهذا أبلغ في الحصر كقوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)[الفاتحة]، ﴿رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ﴾ [التحريم: ١١] ولهذا قال: ﴿فَابْتَغُوا﴾ أي: فاطلبوا ﴿عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ﴾ أي: لا عند غيره، فإن غيره لا يملك شيئًا ﴿وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ﴾ أي: كلوا من رزقه واعبدوه وحده، واشكروا له على ما أنعم به عليكم ﴿إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ أي: يوم القيامة فيجازي كل عامل بعمله.

وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ أي: فبلغكم ما حل بهم من العذاب والنكال في مخالفة الرسل ﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ يعني: إنما على الرسول أن يبلغكم ما أمره الله تعالى به من الرسالة، والله يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء، فاحرصوا لأنفسكم أن تكونوا من السعداء.

وقال قتادة في قوله: ﴿وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ قال: يُعزي نبيه (٦)، وهذا من قتادة يقتضي أنه قد انقطع الكلام الأول واعترض بهذا إلى قوله: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ﴾ [الكهف: ٢٤] وهكذا نصَّ على ذلك ابن جرير (٧) أيضًا. والظاهر من السياق أن كل هذا من كلام إبراهيم الخليل ، يحتج عليهم لإثبات المعاد لقوله بعد هذا كله: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ﴾ والله أعلم.

﴿أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (١٩) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠) يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (٢١) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (٢٢) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢٣)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن الخليل أنه أرشدهم إلى إثبات المعاد الذي ينكرونه بما يشاهدونه في أنفسهم من خلق الله إياهم بعد أن لم يكونوا شيئًا مذكورًا، ثم وجدوا وصاروا أناسًا سامعين


(١) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي به بلفظ: "إفكًا".
(٢) أخرجه الطبري وآدم بن أبي إياس بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٣) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند ثابت صحيح من طريق ابن أبي طلحة الوالبي به.
(٤) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق عطاء الخراساني عن ابن عباس، وهو لم يسمع من ابن عباس.
(٥) قول قتادة أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه.
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٧) ذكره الطبري بنحوه.