للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وجسده للنيران، وسخا بولده للقربان، وجعل ماله للضيفان، ولهذا اجتمع على محبته جميع أهل الأديان.

وقوله تعالى: ﴿فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ﴾ أي: سلَّمه منها بأن جعلها عليه بردًا وسلامًا ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٢٤)

﴿وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، يقول لقومه مقرعًا لهم وموبخًا على سوء صنيعهم في عبادتهم للأوثان: إنما اتخذتم هذه لتجتمعوا على عبادتها في الدنيا صداقة وألفة منكم بعضكم لبعض في الحياة الدنيا، وهذا على قراءة من نصب ﴿مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ﴾ على أنه مفعول له، وأما على قراءة الرفع (١)، فمعناه إنما اتخاذكم هذا لتحصل لكم المودة في الدنيا فقط ﴿ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ ينعكس هذا الحال، فتبقى هذه الصداقة والمودة بغضًا وشنآنًا ثم ﴿يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ﴾ أي: تتجاحدون ما كان بينكم ﴿وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ أي: يلعن الأتباع المتبوعين، والمتبوعون الأتباع ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا﴾ [الأعراف: ٣٨] وقال تعالى: ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (٦٧)[الزخرف] وقال ههنا: ﴿ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ﴾ الآية؛ أي: ومصيركم ومرجعكم بعد عرصات القيامة إلى النار وما لكم من ناصر ينصركم، ولا منقذ ينقذكم من عذاب الله، وهذا حال الكافرين، وأما المؤمنون فبخلاف ذلك.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن إسماعيل [الأحمسي] (٢)، حدثنا أبو عاصم الثقفي، الربيع بن [إسماعيل] (٣)، عن عمرو بن سعيد بن جعدة بن هبيرة المخزومي، عن أبيه، عن جده، عن أم هانئ أُخت علي ابن أبي طالب قالت: قال لي النبي : "أخبرك أن الله تعالى يجمع الأولين والآخرين يوم القيامة في صعيد واحد، فمن يدري أين الطرفان؟ قالت: الله ورسوله أعلم، ثم ينادي مناد من تحت العرش: يا أهل التوحيد، فيشرئبون -قال أبو عاصم يرفعون رؤوسهم- ثم ينادي: يا أهل التوحيد، ثم ينادي الثالثة: يا أهل التوحيد، إن الله قد عفا عنكم، قال: فيقوم الناس قد تعلق بعضهم ببعض في ظلامات الدنيا -يعني المظالم- ثم ينادي: يا أهل التوحيد ليعف بعضكم عن بعض، وعلى الله الثواب" (٤).

﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٦) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن إبراهيم أنه آمن له لوط، يقال إنه ابن أخي إبراهيم، يقولون هو لوط بن هاران بن آزر؛ يعني: ولم يؤمن به، من قومه سواه وسارة امرأة إبراهيم الخليل، لكن يقال: كيف الجمع بين هذه الآية وبين الحديث الوارد في الصحيح أن إبراهيم حين مرَّ على ذلك الجبار


(١) القراءتان متواترتان.
(٢) كذا في (ح) و (حم) وتفسير ابن أبي حاتم، وفي الأصل صُحف إلى: "الأحمصي".
(٣) كذا في (ح) و (حم) وتفسير ابن أبي حاتم، وفي الأصل صُحف إلى: "سليمان".
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده ضعيف لأن أبا عاصم الربيع بن إسماعيل منكر الحديث كما قال أبو حاتم، (ينظر لسان الميزان ٢/ ٤٤٤).