للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فسأل إبراهيم عن سارة ما هي منه، فقال: أختي، ثم جاء إليها فقال لها: إني قد قلت له إنك أختي فلا تكذبيني، فإنه ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك، فأنت أختي في الدين (١)؟ وكأن المراد من هذا -والله أعلم- أنه ليس على وجه الأرض زوجان على الإسلام غيري وغيرك، فإن لوطًا آمن به من قومه، وهاجر معه إلى بلاد الشام، ثم أرسل في حياة الخليل إلى أهل سدوم وأقام بها، وكان من أمرهم ما تقدم وما سيأتي.

وقوله تعالى: ﴿وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي﴾ يحتمل عود الضمير في قوله: ﴿وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ﴾ على لوط. لأنه هو أقرب المذكورين، ويحتمل عوده إلى إبراهيم.

قال ابن عباس والضحاك (٢): وهو المكنى عنه بقوله: ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ﴾ أي: من قومه، ثم أخبر عنه بأنه اختار المهاجرة من بين أظهرهم ابتغاء إظهار الدين والتمكن من ذلك، ولهذا قال: ﴿إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ أي: له العزة ولرسوله وللمؤمنين به، الحكيم في أقواله وأفعاله وأحكامه القدرية والشرعية.

وقال قتادة: هاجروا جميعًا من كوثى، وهي من سواد الكوفة إلى الشام. قال: وذُكِر لنا أن نبي الله قال: "إنها ستكون هجرة بعد هجرة ينحاز أهل الأرض إلى مهاجر إبراهيم، ويبقى في الأرض شرار أهلها حتى تلفظهم أرضهم، وتقذرهم روح الله ﷿، وتحشرهم النار مع القردة والخنازير (٣)، تبيت معهم إذا باتوا، وتقيل معهم إذا قالوا، وتأكل ما سقط منهم".

وقد أسند الإمام أحمد هذا الحديث فرواه مطولًا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن شهر بن حوشب قال: لما جاءتنا بيعة يزيد بن معاوية، قدمت الشام فأخبرت بمقام يقومه نوف البكالي، فجئته إذ جاء رجل فانتبذ الناس وعليه خميصة، فإذا هو عبد الله بن عمرو بن العاص، فلما رآه نوف أمسك عن الحديث، فقال عبد الله: سمعت رسول الله يقول: "إنها ستكون هجرة بعد هجرة، فينحاز الناس إلى مهاجر إبراهيم، لا يبقى في الأرض إلا شرار أهلها، فتلفظهم أرضهم تقذرهم نفس الرحمن، تحشرهم النار مع القردة والخنازير، فتبيت معهم إذا باتوا، وتقيل معهم إذا قالوا، وتأكل من تخلف منهم" قال: وسمعت رسول الله يقول: "سيخرج أناس من أُمتي من قبل المشرق يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، كلما خرج منهم قرن قطع كلما خرج منهم قرن قطع -حتى عدها زيادة على عشرين (٤) مرة- كلما خرج منهم قرن قطع حتى يخرج الدجال في بقيتهم" (٥). ورواه الإمام أحمد، عن أبي داود وعبد الصمد كلاهما عن هشام الدستوائي، عن قتادة به (٦)، وقد رواه أبو


(١) صحيح مسلم، الفضائل، باب من فضائل إبراهيم الخليل (ح ٢٣٧١).
(٢) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي عنه، وقول الضحاك أخرجه البُستي بسند حسن من طريق عبيد بن سليمان عنه.
(٣) قول قتادة ذو شقين: الأول أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه، والشق الثاني فيه وذكر لنا فإنه مرسل.
(٤) كذا في النسخ الخطية، وفي مسند الإمام أحمد بلفظ: "عشرة مرات".
(٥) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه مع الفرق المتقدم (المسند ١١/ ٤٥٥، ٤٥٦ ح ٦٨٧١)، وضعفه محققوه.
(٦) المسند ١١/ ٥٤١، ٥٤٢ ح ٦٩٥٢)، وضعف سنده محققوه وذكروا لبعضه شواهد.