للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لرحمة؛ أي: بيانًا للحق وإزاحة للباطل، وذكرى بما فيه حلول النقمات ونزول العقاب بالمكذبين والعاصين لقوم يؤمنون.

ثم قال تعالى: ﴿قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا﴾ أي: هو أعلم بما تفيضون فيه من التكذيب، ويعلم ما أقول لكم من إخباري عنه بأنه أرسلني، فلو كنت كاذبًا عليه لانتقم مني، كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (٤٧)[الحاقة] وإنما أنا صادق عليه فيما أخبرتكم به، ولهذا أيدني بالمعجزات الواضحات والدلائل القاطعات ﴿يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ أي: لا تخفى عليه خافية ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ أي: يوم القيامة سيجزيهم على ما فعلوا ويقابلهم على ما صنعوا في تكذيبهم بالحق واتباعهم الباطل، كذبوا برسل الله مع قيام الأدلة على صدقهم، وآمنوا بالطواغيت والأوثان بلا دليل، فسيجزيهم على ذلك إنه حكيم عليم.

﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (٥٣) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (٥٤) يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٥)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن جهل المشركين في استعجالهم عذاب الله أن يقع بهم وبأس الله أن يحلَّ عليهم، كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٣٢)[الأنفال] وقال ههنا: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ﴾ أي: لولا ما حتم الله من تأخير العذاب إلى يوم القيامة لجاءهم العذاب قريبًا سريعًا كما استعجلوه، ثم قال: ﴿وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً﴾ أي: فجأة ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (٥٣)

﴿يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (٥٤)﴾ أي: يستعجلون العذاب وهو واقع بهم لا محالة.

قال شعبة: عن سماك، عن عكرمة: قال في قوله: ﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾ قال: البحر (١).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا عمر بن إسماعيل بن مجالد، حدثنا أبي، عن مجالد، عن الشعبي أنه سمع ابن عباس يقول: ﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾ وجهنم هو هذا البحر الأخضر تنتثر الكواكب فيه، وتكور فيه الشمس والقمر، ثم يوقد فيكون هو جهنم (٢).

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو عاصم، أخبرنا عبد الله بن أُمية، حدثني محمد بن حيي، أخبرني صفوان بن يعلى، عن أبيه أن النبي قال: "البحر هو جهنم" قالوا ليعلى: فقال: ألا ترون أن الله تعالى يقول: ﴿نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾ [الكهف: ٢٩] قال: لا والذي نفس يعلى


(١) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن من شعبة به.
(٢) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده ضعيف جدًا لأن عمر بن إسماعيل بن مجالد، متروك (التقريب ص ٤١٠).