للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بيده، لا أدخلها أبدًا حتى أعرض على الله ولا يصيبني منها قطرة حتى أعرض على الله تعالى (١)، هذا تفسير غريب، وحديث غريب جدًا، والله أعلم.

ثم قال ﷿: ﴿يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ كقوله تعالى: ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾ [الأعراف: ٤١] وقال تعالى: ﴿لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ﴾ [الزمر: ١٦] وقال تعالى: ﴿لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ﴾ [الأنبياء: ٣٩] فالنار تغشاهم من سائر جهاتهم، وهذا أبلغ في العذاب الحسيّ.

وقوله تعالى: ﴿وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ تهديد وتقريع وتوبيخ، وهذا عذاب معنوي على النفوس، كقوله تعالى: ﴿يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (٤٨) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (٤٩)[القمر] وقال تعالى: ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (١٣) هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (١٤) أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (١٥) اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٦)[الطور].

﴿يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (٥٦) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (٥٨) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٥٩) وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٠)﴾.

هذا أمر من الله تعالى المؤمنين بالهجرة من البلد الذي لا يقدرون فيه على إقامة الدين إلى أرض الله الواسعة حيث يمكن إقامة الدين، بأن يوحدوا الله ويعبدوه كما أمرهم، ولهذا قال تعالى: ﴿يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (٥٦)﴾.

قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن عبد ربه، حدثنا بقية بن الوليد، حدثني جبير بن عمرو القرشي، حدثني أبو سعد الأنصاري، عن أبي يحيى مولى الزبير بن العوام، عن الزبير بن العوام قال: قال رسول الله : "البلاد بلاد الله، والعباد عباد الله، فحيثما أصبت خيرًا فأقم" (٢).

ولهذا لما ضاق على المستضعفين بمكة مقامهم بها، خرجوا مهاجرين إلى أرض الحبشة ليأمنوا على دينهم هناك، فوجدوا خير المنزلين هناك: أصحمة النجاشي ملك الحبشة رحمه الله تعالى، فآواهم وأيدهم بنصره، وجعلهم سيومًا (٣) ببلاده، ثم بعد ذلك هاجر رسول الله والصحابة الباقون إلى المدينة النبوية يثرب المطهرة.

ثم قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (٥٧)﴾ أي: أينما كنتم يدرككم الموت، فكونوا في طاعة الله وحيث أمركم الله، فهو خير لكم، فإن الموت لابدّ منه ولا محيد عنه، ثم إلى الله المرجع والمآب، فمن كان مطيعًا له جازاه أفضل الجزاء، ووفاه أتم الثواب ولهذا قال


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٢٩/ ٤٧٨ ح ٧٩٦٠)، وضعف سنده محققوه لجهالة محمد بن حيي.
(٢) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٣/ ٣٧ ح ١٤٢٠)، وضعف سنده محققوه لوجود ثلاثة مجاهيل.
(٣) أي: آمنين وهي كلمة حبشية وتروى بفتح السين، وقيل سيوم: دمع سائم أي: تسومون في بلدي كالغنائم السائمة لا يعارضكم أحد (النهاية ٣/ ٤٣٤، ٤٣٥).