للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ أي: لنسكننهم منازل عالية في الجنة تجري من تحتها الأنهار على اختلاف أصنافها من ماء وخمر وعسل ولبن، يصرفونها ويجرونها حيث شاؤوا ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أي: ماكثين فيها أبدًا لا يبغون عنها حولًا ﴿نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ نعمت هذه الغرف أجرًا على أعمال المؤمنين ﴿الَّذِينَ صَبَرُوا﴾ أي: على دينهم. وهاجروا إلى الله ونابذوا الأعداء، وفارقوا الأهل والأقرباء ابتغاء وجه الله ورجاء ما عنده وتصديق موعوده.

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي، أخبرنا صفوان المؤذن، أخبرنا الوليد بن مسلم، أخبرنا معاوية بن سلام، عن أخيه زيد بن سلام، عن جده أبي سلام الأسود، حدثني أبو معاوية الأشعري، أن أبا مالك الأشعري حدثه، أن رسول الله ، حدثه أن في الجنة غرفًا يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام، وأطاب الكلام، وتابع الصلاة والصيام، وقام بالليل والناس نيام (١).

﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ في أحوالهم كلها في دينهم ودنياهم ثم أخبرهم تعالى أن الرزق لا يختص ببقعة، بل رزقه تعالى عام لخلقه حيث كانوا وأين كانوا، بل كانت أرزاق المهاجرين حيث هاجروا أكثر وأوسع وأطيب، فإنهم بعد قليل صاروا حكام البلاد في سائر الأقطار والأمصار، ولهذا قال تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا﴾ أي: لا تطيق جمعه وتحصيله ولا تدخر شيئًا لغد ﴿اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ﴾ أي: الله يقيض لها رزقها على ضعفها وييسره عليها، فيبعث إلى كل مخلوق من الرزق ما يصلحه حتى الذر في قرار الأرض، والطير في الهواء والحيتان في الماء. قال تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٦)[هود].

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبد الرحمن الهروي، حدثنا يزيد يعني: ابن هارون، حدثنا الجراح بن منهال الجزري -هو أبو العطوف-، عن الزهري، عن رجل، عن ابن عمر قال: خرجت مع رسول الله حتى دخل بعض حيطان المدينة، فجعل يلتقط من التمر ويأكل، فقال لي: "يا ابن عمر ما لك لا تأكل؟ " قال: قلت: لا أشتهيه يا رسول الله، قال: "لكني أشتهيه، وهذا صبح رابعة منذ لم أذق طعامًا ولم أجده، ولو شئت لدعوت ربي فأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر فكيف بك يا ابن عمر إذا بقيت في قوم يخبئون رزق سنتهم بضعف اليقين؟ " قال: فوالله ما برحنا ولا رمنا حتى نزلت ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٠)﴾ فقال رسول الله : "إن الله ﷿ لم يأمرني بكنز الدنيا، ولا باتباع الشهوات، فمن كنز دنياه يريد بها حياة باقية، فإن الحياة بيد الله، ألا وإني لا أكنز دينارًا ولا درهمًا ولا أخبأ رزقًا لغد" (٢). هذا حديث غريب، وأبو العطوف الجزري ضعيف، وقد ذكروا أن


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وأخرجه الإمام أحمد من طريق ابن معانق أو أبي معانق عن أبي مالك الأشعري به (المسند ٣٧/ ٥٣٩ ح ٢٢٩٠٥)، وقال محققوه: إسناده حسن إن كان ابن معانق سمعه من أبي مالك. اهـ. ويتقوى بمتابعة أبي معاوية الأشعري المتقدمة، وله شاهد أخرجه الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمرو (المسند ٢/ ١٧٣)، وبمجموع طرقه يكون حسنًا.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده ضعيف لإبهام الراوي عن ابن عمر . وضعف سنده الحافظ ابن كثير لضعف أبي العطوف.