للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال ابن جرير: يحتمل أن سلمان () (١) أراد بهذا أن الذين يأتون بهذه الصفة أعظم فسادًا من الذين كانوا في زمن النَّبِيّ ، لا أنه عنى أنه لم يمض ممن تلك صفته أحد.

قال ابن جرير (٢): فأهل النفاق مفسدون في الأرض بمعصيتهم فيها ربهم، وركوبهم فيها ما نهاهم عن ركوبه، وتضييعهم فرائضه، وشكهم في دينه الذي لا يقبل من أحد (عملًا) (٣) إلا بالتصديق به، والإيقان بحقيقته، وكذبهم المؤمنين بدعواهم غير ما هم عليه مقيمون من الشك والريب، ومظاهرتهم أهل التكذيب باللّه وكتبه ورسله على أولياء الله إذا وجدوا إلى ذلك سبيلًا؛ فذلك إفساد المنافقين في (الأرض) (٤)، وهم يحسبون أنهم بفعلهم ذلك مصلحون فيها.

وهذا الذي قاله حسن؛ فإن من الفساد في الأرض اتخاذ المؤمنين الكافرين أولياء؛ كما قال تعالى: (﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (٧٣)[الأنفال: ٧٣] فقطع الله الموالاة بين المؤمنين والكافرين، كما قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (١٤٤)[النساء: ١٤٤].

ثم قال: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (١٤٥)[النساء] فالمنافق لما كان ظاهره الإيمان اشتبه أمره على المؤمنين، فكان الفساد من جهة المنافق حاصل؛ لأنَّهُ هو الذي غرَّ المؤمنين بقوله الذي لا حقيقة له؛ ووالى الكافرين على المؤمنين، ولو أنه استمر على (حاله الأول) (٥) لكان شره أخف، ولو أخلص العمل للّه وتطابق قوله وعمله لأفلح وأنجح؛ ولهذا قال تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١)﴾ أي: نريد أن نداري الفريقين من المؤمنين والكافرين؛ ونصطلح مع هؤلاء وهؤلاء؛ كما قال محمد (٦) بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١)﴾ أي: إنما نريد الإصلاح بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب.

يقول الله: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (١٢)﴾ يقول: ألا إن هذا الذي يعتمدونه، ويزعمون أنه إصلاح، هو عين الفساد، ولكن من جهلهم لا يشعرون بكونه فسادًا.

﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (١٣)﴾.

يقول تعالى: وإذا قيل للمنافقين: ﴿آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ﴾ أي: كإيمان الناس باللّه وملائكته،


(١) من (ن).
(٢) في "تفسيره" (١/ ٢٨٩، ٢٩٠).
(٣) كذا في كل "الأصول" وهو الموافق لما في "تفسير الطبري"، ووقع في (ز): "عمل" بالرفع، على اعتبار أن الفعل مبني لما لم يسم فاعله.
(٤) في "الطبري": "أرض الله".
(٥) في (ز) و (هـ): "حالته الأولى".
(٦) أخرجه ابن إسحاق ومن طريقه: ابن جرير (٣٤١)؛ وابن أبي حاتم (١٢٤). [وسنده حسن].