للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٥٧)[الأعراف]، ولهذا قال ههنا: ﴿وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾.

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (٢٠) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢١)﴾.

يقول تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ﴾ الدالة على عظمته وكمال قدرته، أنه خلق أباكم آدم من تراب ﴿ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾ فأصلكم من تراب ثم من ماءٍ مهين، ثم تصور فكان علقة ثم مضغة، ثم صار عظامًا مشكله على شكل الإنسان، ثم كسا الله تلك العظام لحمًا، ثم نفخ فيه الروح فإذا هو سميع بصير، ثم خرج من بطن أمه صغيرًا ضعيف القوى والحركة، ثم كلَّما طال عمره تكاملت قواه وحركاته حتى آلَ به الحال إلى أن صار يبني المدائن والحصون، ويسافر في أقطار الأقاليم، ويركب متن البحور، ويدور أقطار الأرض، ويتكسب ويجمع الأموال، وله فكرة وغور ودهاء ومكر ورأي وعلم واتساع في أمور الدنيا والآخرة كل بحسبه، فسبحان من أقدرهم وسيرهم وسخرهم وصرفهم في فنون المعايش والمكاسب، وفاوت بينهم في العلوم والفكر، والحسن والقبح، والغنى والفقر، والسعادة والشقاوة، ولهذا قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (٢٠)﴾.

وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد وغندر قالا: حدثنا عوف، عن قسامة بن زهير، عن أبي موسى قال: قال رسول الله : "إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، جاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك، والخبيث والطيب، والسهل والحزن وبين ذلك" (١) ورواه أبو داود والترمذي من طرق عن عوف الأعرابي به. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح (٢).

وقوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾ أي: خلق لكم من جنسكم إناثًا يكن لكم أزواجًا ﴿لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾، كما قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا﴾ [الأعراف: ١٨٩] يعني بذلك: حواء، خلقها الله من آدم من ضلعه الأقصر الأيسر، ولو أنه تعالى جعل بني آدم كلهم ذكورًا وجعل إناثهم من جنس آخر إما من جان أو حيوان، لما حصل هذا الإئتلاف بينهم وبين الأزواج، بل كانت تحصل نفرة لو كانت الأزواج من غير الجنس، ثم من تمام رحمته ببني آدم أن جعل أزواجهم من جنسهم، وجعل بينهم وبينهنَّ ﴿مَوَدَّةً﴾ وهي: المحبة، ﴿وَرَحْمَةً﴾ وهي: الرأفة، فإن الرجل يمسك المرأة إنما لمحبته لها أو لرحمة بها بأن يكون لها منه ولد، أو محتاجة إليه في الإنفاق أو للألفة بينهما وغير ذلك ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٣٢/ ٣٥٣ ح ١٩٥٨٢)، وصحح سنده محققوه.
(٢) سنن أبي داود، السنة، باب في القدر ٤٦٩٤، وسنن الترمذي، التفسير، سورة البقرة (ح ٢٩٩٥).